Author

إعادة هيكلة .. استثمار للموارد البشرية

|
الجميع يعلم أن الجهات الحكومية لدينا تعاني تكدس الموظفين لديها بما يخلق بشكل مثالي بطالة مقنعة أسهمت بشكل مباشر في انتشار الأداء الهزيل لدى موظفيها، الذي تحول إلى جينات وراثية تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، لقد أصبحت إنتاجية الموظف الحكومي منخفضة بشكل مروع، فما يمكن إنجازه في ساعة ينجز في يومين، حتى لو ظهر موظف مجتهد بالفطرة فإنه في الغالب سينتهي إلى النهاية التقليدية نفسها لأي موظف المتمثلة في ضعف الإنتاجية المفرط. لقد أصبح الوضع سيئا لدرجة أن أي مدير يحاول أن يرفع من إنتاجية موظفيه يصبح مديرا فاشلا ولا يمتلك أي مهارات قيادية تذكر، إن المدير الناجح في الجهات الحكومية هو من يجعل موظفيه سعداء ويستطيع بمهارة إخفاء إخفاقاتهم المتكررة التي قد تتسبب في كارثة مالية أو كارثة ككارثة سيول جدة، كل ما عليك فعله هو أن تنظر لموظفيك وتفكر كيف تجعلهم أكثر سعادة، وعليك ألا تفكر في مستوى الإنتاجية كثيرا، وعليك أن تفعل كل ذلك دون أن تثبت المستندات الرسمية أن هناك تهاونا في إنجاز العمل، بل على العكس يجب أن تثبت تلك المستندات أن العمل يسير كما يجب، بل أفضل مما يجب. لقد أصبحت الجهات الحكومية في حاجة ملحة إلى إعادة هيكلتها بما يرفع من إنتاجية موظفيها، لا كي يكونوا في مستوى إنتاجية الموظفين في القطاع الخاص، إنما لاستثمار هذه الموارد البشرية بما يجعلهم منتجين كموظفين حكوميين، ومن الطبيعي أن تواجه تلك الجهات الحكومية صعوبات كبيرة عند تطبيق تلك الهياكل الجديدة، فليس من السهل أن تجعل موظفا كان ينتج خلال السنوات العشر الماضية بمستوى معين فتطلب منه أن يغير ذلك في يوم واحد، يجب على الجهات الحكومية أن تراعي ذلك وتتفهم تولد العادات السيئة لدى الموظفين، وتبدأ بتطبيق هيكلتها بطريقة لا تؤثر في قدامى الموظفين الذين يصعب تغيير نمط عملهم، فكلما كانت خبرتك في العمل أكثر كان تأثرك بالهيكلة أقل، والعكس صحيح، حيث كلما قلت خبرتك أكثر تأثرت أكثر بإعادة الهيكلة ورفع الإنتاجية، ومن البدهي عند تطبيق هذه النظرية أن يتم تدريب الموظفين الجدد على الإنتاجية المرتفعة، وبذلك نستطيع تغيير نمط عمل الموظفين الحكوميين بشكل تدريجي مريح، وعلينا أن ننبه الموظفين القدامى لكيلا يحثوا الموظفين الجدد على قلة الإنتاجية، إن الموظفين الجدد يكونون عادة متحمسين للعمل، فلماذا لا نستغل ذلك ونبعدهم عن أجواء ضعف الإنتاجية بطريقة جدية إلى أن تتولد لديه العادات الجيدة في العمل؟ لكن ماذا سنفعل بالموظفين الذين لن نحتاج إليهم بعد تطبيق الهياكل الجديدة؟ الإجابة ببساطة هي تحويلهم إلى ما يصنع قيمة مضافة لدى المراجعين، حيث نضعهم في الأقسام المعنية بخدمة المراجعين وإنهاء معاملاتهم، تخيل وأنت تريد تجديد جواز سفرك تجد عددا كبيرا جدا من الموظفين لفعل ذلك فلا تجد طوابير طويلة تنتظرك، وتخيل وأنت تدخل إلى صالة القدوم قادما من السفر لتجد عددا كبيرا جدا من موظفي الجوازات كي ينهوا لك إجراءات الدخول بكل سرعة، تخيل الانطباع الذي سيأخذه عنا الأجانب حينما يزوروننا لأول مرة ويلاحظون سرعة إجراءات الدخول. فلن نطلب فصل الموظفين الزائدين عن الحاجة، بل سنعيد توظيفهم بما يمنح المستفيدين من خدمات الجهات الحكومية الرفاهية الرائعة لإنهاء إجراءاتهم الروتينية، تخيل كيف سيكون عمل الجهات الحكومية بعد إعادة الهيكلة، أكاد أجزم أن المراجعين سينهون معاملاتهم خلال دقائق. كما يمكن نقل الموظفين من وزارة إلى وزارة لتحقيق الرفاهية المنشودة للمراجعين حسب الحاجة، على أن يكون ذلك دون أن يتضرر الموظفون، فيجب أن يكون العمل في المدينة نفسها والنقل بالمرتبة نفسها وليس أقل منها، كما يمكننا وضع الموظفين الزائدين على الحاجة في بيان يطلع عليه جميع الجهات الحكومية كي تختار كل جهة حكومية ما يناسبها منهم. الخطر الحقيقي الذي قد يعرقل إعادة هيكلة الجهات الحكومية هو في احتمالية وجود ''لوبيات'' ستحارب إعادة الهيكلة وتحاول بكل طاقاتها إفشال الأمر بطريقة يتم فيها دفن تلك الهياكل -استخدمت كلمة هياكل كثيرا وأنا لا أعرف إن كانت تصلح كجمع لهيكلة- في أدراج المكاتب المغلقة.
إنشرها