تاريخ الدولة السعودية .. المفهوم الأكثر عمقا

تاريخ الدولة السعودية .. المفهوم الأكثر عمقا
تاريخ الدولة السعودية .. المفهوم الأكثر عمقا

يسير سلمان بن عبدالعزيز بيننا فنحفظ التاريخ، يمنحنا الضوء وينير الطرقات. يقف ''ولي العهد'' على مساحة صلبة، بقوة ''جلد الرجال'' و ''جغرافية قارة''، نطمئن على المستقبل ونفخر بالماضي. يتحدث سلمان عن الحقب فتنتفي الأسئلة. يؤصل سيّد الذاكرة وخازن التاريخ، تسلسل الدولة فترتبط كل الأحداث ببعض، ويقيم الأسس الفكرية للدولة السعودية.

يقرأ ونسمعه بنهم : '' هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، تتشرف بوجود مكة المكرمة، والله - عز وجل - أنزل في هذه الأرض العربية القرآن الكريم بلغة عربية، وعلى نبي عربي، عليه أفضل الصلاة والتسليم، وانتشرت قبائلها العربية في كل مكان لتشكل النسيج الاجتماعي في كثير من الدول العربية. وقيادة هذه البلاد وشعبها يفتخرون بأن بلادهم هي موئل الرسالة وموئل العرب، ويدركون أن تلك مسؤولية عظيمة يتحملونها لخدمة وطنهم والإسلام والمسلمين''.

يبدأ سلمان بن عبدالعزيز في كتابة فصولنا : '' الحكم في هذه البلاد يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية''.

يربطنا بالمنهج : '' في المدينة المنورة (طيبة الطيبة) بدأت نهضة الدولة الإسلامية الأولى على الكتاب والسنة النبوية والمبادئ الإسلامية؛ العدل والأمن والمساواة.

وفي هذه الأرض العربية التي هي منطلق العروبة والإسلام تأسست الدولة السعودية على المبادئ ذاتها متأسية بتلك الدولة الإسلامية الأولى وأسُسِها العظيمة التي تقوم على راية التوحيد، وتدعو إلى الدين الخالص من أي ابتداع أو ممارسات ليست في الكتاب أو السنة وأقوال السلف الصالح''.

يأخذنا إلى التجربة الأكمل حيث المنبع ليعطينا عقلاً نقياً يستوعب الفهم فقط : '' انطلقت الدولة الإسلامية الأولى؛ تنشر الدين والتوحيد، وتؤسس للاستقرار، وتؤصل العلم الصحيح، وتشجع الإبداع والتفكير السليم. وأصبحت الجزيرة العربية ولأول مرة تعيش في استقرار ووحدة متماسكة، ذات دولة مركزية تقوم على الدين الصحيح، لا على أيديولوجية فكرية أو عصبية، أو مصالح ضيقة لا تخدم الأمة''.

يعود بنا الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى الوراء فتكتمل الصورة : '' بعد ظهور الدولة الأموية وانتقال العاصمة من المدينة إلى دمشق ثم إلى بغداد في عهد الدولة العباسية، دخلت الجزيرة العربية عصراً مختلفاً عن عصرها الزاهي الأول، وعاشت الجزيرة العربية قروناً من الظلام وأصبحت بعيدة عن الأحداث التاريخية في عصرها الحديث، ولم تعد مركزاً للاهتمام والعناية، سوى القدوم إليها للحج أو زيارة الأماكن المقدسة مع المخاطر الشديدة. وأصبح قلب الجزيرة العربية منعزلاً عن العالم من حوله''.

#2#

يخاطب ''ولي العهد'' العقول باستناده إلى الحقيقة :'' استمرت أوضاع الجزيرة العربية الملأى بالانقسام وعدم الأمن وضعف الدين، وانتشار الإمارات والتناحر بينها إلى أن ظهرت الدولة السعودية التي أعادت للمنطقة الدولة المركزية القائمة على الدين مثل ما حدث في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين''.

يبني سلمان بن عبدالعزيز للفكر قلاعاً لا تقبل الاهتزاز : '' ما قامت به الدولة السعودية أشار إليه المؤرخ الاجتماعي عبد الرحمن بن خلدون في رؤيته التاريخية العامة حين قال : ''إن العرب لا يحصل لهم ملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية وأثر عظيم على الجملة''. وهذا هو الذي تحقق حيث قامت الدولة السعودية على أساس الدين، وكان لها الأثر الكبير من حيث الأمن والاستقرار والازدهار''.

يعيدنا إلى الجذور الممتدة '' في الوقت الذي بدأت فيها إمارة الدرعية تستقر وتزدهر - بفضل الله عز وجل – ثم بفضل أميرها محمد بن سعود، كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يدعو إلى الدين ومناهضة البدع والخرافات''.

ويضيئ أكثر: '' تأصيلاً للمبادئ الإسلامية في الحكم وثق اتفاق بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب من خلال بيعة شفهية ارتسمت في نصوصها تلك الأصول الإسلامية لنشر الدين، وتأييد الدعوة إليه، وتأسيس دولة تقوم على ذلك''.

وغدا الاتفاق نقطة ارتكاز لكل أسس المستقبل : '' أصبحت البيعة ركناً أساساً من أركان الدولة السعودية إلى اليوم بحيث تلتزم بتأسيسها على الدين الصحيح. هذا الركن الأساس هو الذي ميز الدولة السعودية عن غيرها بحيث لم تقم على أيديولوجية فكرية أو عصبية قبلية أو إقليم، وإنما قامت على أساس راية التوحيد التي يلتف حولها الجميع من أسر وقبائل حاضرة وبادية''.

ويؤكد الأمير سلمان بن عبدالعزيز من تاريخنا المجيد ''ثمة وجه للشبه بين قيام الدولة السعودية في العصر الحديث في شبه الجزيرة العربية، وبين ما حدث في عصر الرسالة الخاتمة والخلفاء الراشدين من توحيد شبه الجزيرة تحت راية الإسلام وعقيدته الصحيحة، وذلك لأن الإسلام هو العامل الأساس في توحيدها وقيام دولة مركزية، ولأن الدعوة الإصلاحية في العصر الحديث ليست سوى فهم صحيح للإسلام، وعودة إلى منابعه الأولى في إصلاح حياة الناس، والارتقاء بالمجتمع المسلم في شبه الجزيرة بعد قرون من التأخر والضعف وعدم الاستقرار''.

ويفتح لنا سلمان بن عبدالعزيز صفحة العزم '' مع سقوط الدولة السعودية الأولى في عام 1233هـ/ 1818م بسبب حملات الدولة العثمانية الضخمة، إلا أنها عادت مرة ثانية، ومرة ثالثة، ولأن أسسها قوية وأصيلة وآثارها ملموسة وشاملة، عادت الدولة السعودية إلى الظهور من جديد على يد الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود وقام بتدعيمها ابنه الإمام فيصل بن تركي، ثم انتهت في عام 1309هـ/1891م، ثم عادت مرة ثالثة على يد المغفور له الملك عبد العزيز''.

يسلّمنا الأمير سلمان بن عبدالعزيز للأسس الحقيقية ونسكن معه الوطن الحصن: ''الدولة السعودية بسلوكها ومبادئها سلفية المنهج؛ لأنها اعتمدت في تأسيسها على الدعوة الإصلاحية التي بدأها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – التي تعني العودة بفهم الدين إلى فهم السلف الصالح؛ من الصحابة الذين لم تنشأ فيهم البدع والخرافات، والعودة إلى الكتاب والسنة، والصحيح من كلام أهل العلم المتقدمين.

والسلفية ليست رجعية أو جموداً أو مجرد تقليد، أو أنها منافية للعقل كما يزعم بعضهم، بل هي منهج متكامل: عقيدة، وعبادة، ومعاملة، وتجديد وإبداع دون ابتداع، وضابطها تحقيق الالتزام الذي دعا إليه رب العالمين في قوله - عز وجل : ''وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون'' (الأنعام: 153).

يختم التاريخ ويهدينا المجد '' من منطلق هذا التأسيس الواضح للدولة السعودية القائم على الكتاب والسنة ومنهج السلف.

ومن منطلق الارتباط المميز بين الدولة والدعوة الذي لم يتأت لدعوة تجديدية أخرى من قبل، ومن منطلق استمرار الدولة السعودية على الرغم من المواجهات والمواقف، وعودتها إلى الظهور والاستمرار إلى يومنا هذا، ومن منطلق مضامين الحكم ومبادئه في المملكة العربية السعودية القائمة على المصادر الإسلامية الصحيحة، ومن منطلق أن هذه البلاد واقعة في معقل الإسلام وداره الأولى، وأنها قصبة الديار الإسلامية، وقبلة المسلمين في كل مكان على هذه الأرض، ومهوى أفئدتهم، وليس لهم قبلة غيرها؛ من منطلق ذلك وغيره فالمملكة العربية السعودية لها خصوصيتها التي ترتبط بتأسيسها ومكانها ورسالتها''.

الأكثر قراءة