Author

كل عام .. ووطني من سؤدد إلى سؤدد

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لا يقفُ الاحتفاء باليوم الوطني في بلدٍ حول العالم عند مجرّد الاحتفاء بمنجزاته خلال العام، على الرغم من أهمية ذلك الأمر وكونه قياساً حضارياً لما تضيفه الأجيال المتعاقبة إلى المنجز التراكمي للشعوب! الاحتفاء باليوم الوطني يتجاوز كل ذلك إلى ما هو أكثر التصاقاً باللحظة التاريخية التي ولد فيها، والتي لولاها بعد مشيئة الله لما رأيت أياً مما بعدها بأيّ مقياس. في بلادي الأبيّة، هي اللحظة التي تعبّر عن التحام الإنسان بالأرض التي ولد عليها، واستخلفه الله فيها لأجل البناء والإعمار ونشر رسالته. وإنّها اللحظة التي امتدتْ إشعاعاتها حتى عانقت جيلنا المعاصر، دامتْ وستدوم ـــ بإذن الله ـــ محمولة بكامل وهجها الصادق فوق عواتق رجالها ونسائها الصالحين، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل. ترتفع قامة الإنسان على هذه الأرض المحتضنة لأغلى المقدسات على الإطلاق في كل يومٍ من أيام حياته، واليوم الوطني عنوانٌ شامخ لكل تلك الأيام التي سخّر نفسه لأجل خدمة الرسالة السماوية، التي حملتْ التوحيد لله وحده، فكانتْ ''لا إله إلا الله محمد رسول الله'' منقوشةً في القلوب قبل أن تنقش على علم بلادنا العظيمة. تحمل أفئدة السعوديين والسعوديات إيماناً صلباً بأن ما يعايشونه اليوم من واقع، بكامل امتيازاته وتحدياته، ليس إلا محصلةً لما أنجزه أجدادهم قديماً في رحم الأيام الخوالي، ودون أدنى شك أن أهم ما حدث في سابق عهدنا المعاصر، يتمحور أساساً في الحلم الأكبر للشاب الطموح عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ببناء وطنٍ واحد لمجتمعات وقبائل شبه الجزيرة العربية! حلمٌ استمد حياته من الأمل الكبير في قلب شابٍ عربي طموح تغربت به الأقدار عن وطنه الأم، بالعودة السريعة إلى ترابها وسمائها والانطلاق من مهد أجداده إلى بقية الأجزاء المتناثرة، وجمعها كالعقد الفريد في وطنٍ واحد يجسّد إنسان هذه البقعة المباركة من الأرض. ولأجل أن نصل إلى ذروة الحب مع هذا الحلم؛ ليتخيّل كل منا نفسه جالساً مع ذاك الشاب المتوقد الحماس في إحدى خلواته، يجاذب حلمه الكبير بتأسيس الوطن العظيم ''المملكة العربية السعودية''. الإيمان فعل قبل القول، والحب والولاء والانتماء وكذلك هي بقية المفردات العظمى التي تميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات في هذا الكون الفسيح، إنها أفعالٌ فقط ودونها تظل مجردةً تماماً من حقيقتها، تلك الحقيقة الأولى والأعلى في منظومة كون الإنسان إنساناً من عدمه. وليس أجدر بعد الدين من الوطن بمعانقة الحقيقة الأثمن في الإنسان بهذا الكيان المتمثل في موطنه، وموطن من سبقوه من أهله ومن سيلحق به من نسله من بعده. تمرُّ بنا لحظاتٌ كثيرة ننشغل فيها قسراً عن حقائق غالية في حياتنا؛ لعل من أثمنها الوطن! نقع نتيجة هذه الغفوة لا المسؤولة ولا المقصودة بالطبع في أخطاءٍ تحتسبها الحياة علينا فيما بعد، وكلما تمكنّا من سدِّ هذه الثغرة البغيضة تقدّمت بوطننا الخطوات إلى الأمام، وسجّلت في سجلاتنا الخالدة إنجازات الإنسان والحضارة وأسباب البقاء كأقوياء بين مصافِّ بقية الأوطان على سطح الأرض. ليست الحقيقة مجرّد معزوفة لأجل الترنّح طرباً على أنغامها في يومٍ كاليوم الوطني، بقدر ما أنها حقيقة يجب أن تتجسد ''فعلاً'' في حياة كل فرد منا؛ ذكراً كان أم أنثى. نجح الملك المؤسس – رحمه الله ـــ في تحقيقها وكان الوطن، نجح في تحويل ''الحلم'' إلى ''حقيقة'' دامغة على السطح العالمي المعاصر، نجح وانبثقت من بعده أحلام وأحلام في أفئدة كل السعوديين، تحقق كثيرٌ منها، وبقي كثيرٌ منها أيضاً. تتمحور فلسفة ذكرى اليوم الوطني للسعودية في هذه الحقيقة الكبرى تحديداً، حقيقة الحلم السعودي العظيم بالوحدة والبناء والتقدم، الحلم الذي بدأ في قلب وعقل ''عبد العزيز''، وبقايا الحلم الجميل الذي سكن فؤاد كل سعودي وسعودية من بعده. يتكرر مجيء اليوم الوطني مرة كل عام ليُحيي فينا كسعوديين حلمنا المشترك اتصالاً بأصله الطموح، وصولاً لامتداداته في فؤاد كل واحدٍ منا بوطنٍ أبهى وأزهى، بوطنٍ نتنفس فيه العدل والمحبة والمساواة، بوطنٍ نتنفس فيه الأمن والأمان والسلام والرخاء. حقيقةٌ أخرى دون إطالة؛ حينما يتعلّم كل منا كيف يتنفس حلم وطنه، وحينما ''يعمل'' صادقاً على تحويل ذلك الحلم إلى واقع، حينها تتحرّك سفينتنا الكبيرة نحو المستقبل بأمان وسلام وتقدّمٍ حقيقي ملموس في حياةِ كل فردٍ منا. حينما نستكمل أحلامنا طموحاً وعملاً صادقاً؛ سننجح بتوفيق الله في التصدّي للإرهاب الغادر مهما كانت مصادره، ودحره في أي ميدانٍ يواجهنا، واجتثاثه من منابعه مهما كانت تلك المنابع. ستنجح جهودنا الصادقة للإسهام في نشر وتوطيد أسباب السلام العالمي، ونزع فتائل الحرب والدمار، ومد يد العون للقريب والبعيد أثناء وبعد الكوارث في أي مكانٍ بالعالم، ونبادر دوماً في ترسيخ استقرار الاقتصاد العالمي، كل ذلك يمكننا القيام به وتحقيقه انطلاقا من مبادئنا الراسخة، وإيماننا بأننا جزءٌ له وزنه وثقله وأهميته في الميزان الدولي. حينما نتعلّم كيف نتنفس حلم وطننا، ونعمل بصدق على تحويله إلى واقع، سننجح في مواجهة واجتياز جميع التحديات الراهنة في أي بقعةٍ من بقاع الوطن الحبيب؛ إذ يمكننا معاً أن ننتزع دون تردد أو تأخير ''وباء الفقر'' من أي بيت سعودي استشرى فيه هذا الوباء. ويمكننا معاً أيضاً أن نحتضن كل باحثٍ أو باحثةٍ عن فرصة عمل كريمة يستحقها وتستحقه، وتوفيرها له أو لها وحمايتهما من ربق البطالة التي تنحدر بكرامة الإنسان إلى الأرذلين. ويمكننا معاً أيضاً أن نجتث بذور الفساد من أي قلبٍ ضعف أمام شهوة المال أو المنصب، فلا يقف أحدٌ منا موقف ''المتفرّج'' أمام أي حالة فسادٍ مهما كانت أبعادها، وليس مقبولاً بعدئذ على الإطلاق أن نسمع من أحدٍ منا عبارة الشؤم ''ليس من شأني''، فهذا وطننا جميعاً ومقتضى ذلك أن يضطلع كل فردٍ منا بدوره ومسؤوليته في محاربة ومجاهدة أي حالة فساد يضعه القدر في مواجهتها. ويمكننا معاً أن نؤدي بصدق ووطنية وحرصٍ كامل مسؤولياتنا والتزاماتنا تجاه وطننا، والإسهام الجاد في بنائه تنموياً وحضارياً، كلٌ يؤدي واجبه حسب الموقع الذي ائتمنه الوطن عليه؛ الوزير تجاه حقيبته الوزارية، والمسؤول والمسؤولة تجاه مسؤولياتهما العليا، والموظف والموظفة تجاه عملهما وواجباتهما الوظيفية، والمعلم والمعلمة تجاه أجيال الحاضر وكبار المستقبل، والعسكري ورجل الأمن تجاه أمن وطنه ومواطنيه. ويمكننا معاً إقناع التاريخ الإنساني وجميع شعوب العالم بأننا شعبٌ عريق الأصول بهويته الإسلامية والعربية الخالصتين، وأن لنا جذورا حضارية سامية وواقعا حضاريا لا يقل شأن حاضره عن شأنِ ماضيه، وأننا بناة للحضارة العالمية لا هادمون لها، وأننا نقف تماماً مع الإنسانية في نشر السلام والحضارة والتقدم على سطح الأرض. تلك هي السعودية، وأولئك هم السعوديون والسعوديات، حلمٌ وفعلٌ نتنفسه لحظة بلحظة، ونحتفل بهذا السمو الإنساني كل 23 سبتمبر من كل عام منذ وضعنا أيادينا في يد الملك المؤسس تحت ظل علم ''المملكة العربية السعودية''. وكل عام ووطني من سؤدد إلى سؤدد.
إنشرها