Author

قياس كفاءة أداء سوق العمل (2 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أستكمل الحديث عن سوق العمل المحلية، في سياق قياس كفاءة ما تقوم به وزارة العمل على مستوى رفع معدلات التوطين فيها، مسترشداً بالسؤال التالي ''الهدف العام لاستراتيجية التوظيف السعودية، المحفوظة الآن في أرشيف الوزارة'': هل ما تقوم به وزارة العمل الآن سيؤدي إلى توفير أعداد كافية من فرص العمل وبأجور مناسبة، لتحقق توظيفاً كاملاً للقوى البشرية السعودية، وتضيف ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني؟ لنسقط هذا الهدف على أرض واقع السوق الآن: (1) توفير أعداد كافية من فرص العمل وبأجور مناسبة، لتحقق توظيفاً كاملاً للقوى البشرية السعودية: وفقاً لأحدث بيانات صدرت عن وزارة العمل، ارتفعت أعداد العمالة السعودية في القطاع الخاص خلال الفترة 2010-2012م بنحو 410 آلاف، بنسبة نمو 56.6 في المائة (نحو 249.8 ألف عامل للذكور بنمو 37.3 في المائة، وأكثر من 160.2 ألف عاملة للإناث بنمو 288.1 في المائة)، وارتفع معدل التوطين في القطاع الخاص من 10.4 في المائة بنهاية 2010م إلى 13.4 في المائة بنهاية 2012م. حملتْ الأرقام أعلاه في ظاهرها إنجازاً ''غير مسبوق''، سيتم فحصها وتحليلها فيما يلي للاطمئنان: (أ) بالنظر إلى تركّز الزيادة حسب النشاط الاقتصادي؛ سنجد أنها تركّزت بنحو 46.2 في المائة من الإجمالي في نشاط التشييد والبناء، أي 149.4 ألف وظيفة (نحو 122.3 ألف وظيفة للذكور بـ 49 في المائة، ونحو 67.1 ألف وظيفة للإناث بـ 42 في المائة)، قد نتفّهم وظائف الذكور السعوديين في هذا النشاط، رغم أننا لم نشاهد حتى تاريخه منهم من يمارس أيّاً من وظائف التشييد والبناء! لكن كيف لنا أن نتفّهم وظائف الإناث السعوديات فيه؟! فهل لدى وزارة العمل ''مشكورة'' تفسيراً مقنعاً لهذه الجزئية؟! إذا ما أضفنا للزيادة الملفتة أعلاه، زيادات ''تجارة الجملة والتجزئة، والزراعة والصيد، والخدمات الجماعية''، فإننا كما يبدو أمام ما يقارب 74 في المائة من الوظائف التي تم توطينها ''295.3 ألف وظيفة''، يشتبه أنّها وقعتْ في شراكِ ما خشينا وتم التحذير منه سابقاً ''السعودة الوهمية''، أُستقطب لها من الذكور السعوديين نحو 64 في المائة، ومن الإناث السعوديات أكثر من 85 في المائة!! ما يؤكّد هذا الاشتباه؛ الانخفاض الكبير الذي طرأ على متوسط الأجور خلال العام الأخير بنسبةٍ وصلت إلى - 14 في المائة! (ب) أمّا بالنظر لتركّز الزيادة حسب المهن الرئيسة؛ فقد تركّزت بنحو 72 في المائة من الإجمالي في المهن الكتابية والبيع والخدمات والهندسية المساعدة، أي ما يناهز 295 ألف وظيفة، وكما يبدو هنا أيضاً حالة الاشتباه تكاد تتطابق مع نتيجة الفقرة السابقة. (ج) مما تقدّم؛ يمكن القول إن نحو ثلاثة أرباع الوظائف التي وفّرها القطاع الخاص، وبإشرافٍ مباشر من وزارة العمل لا تتعدّى كونها وظائف وهمية، بأجورٍ متدنية جداً، وهو ما لا يمّتُّ بأي صلةٍ إلى ''توفير أعداد كافية من فرص العمل وبأجور مناسبة، لتحقق توظيفاً كاملاً للقوى البشرية السعودية''. (2) إضافة ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني: لا يمكن أن تقوم أيّ قائمة لهذه الميزة التنافسيّة المأمولة إلا بوجود قاعدةٍ متنوّعة للإنتاج، فهل هذه القاعدة موجودة أصلاً؟ لعلنا نتذكّر ما ورد في الجزء الأوّل من المقال؛ أنّ نسبة العاملين من حملة الشهادة الابتدائية فما دون بلغت نحو 74.9 في المائة! ولعلّه من المفيد أيضاً العلم بأنَّ نسبة من يحملون تلك الشهادة فما دونها بين العمالة المقيمة يشكّلون 81 في المائة! بمعنى أنّ بين كل عشرة عمّال مقيمين، يوجد منهم ثمانية عمّال لا يحملون أكثر من الشهادة الابتدائية، وإذا أضفتْ حملة الشهادة المتوسطة فسيصبحون تسعة عمّال، فيما لن تجد من حملة الشهادات العليا أكثر من عاملٍ مقيم واحد بين 20 عاملا مقيما. الحديث هنا عن نحو 87 في المائة من العمالة المشغّلة لسوق العمل! أي ما يقارب تسعة أعشار من يعملون في منشآت القطاع الخاص. بعدئذ، لا غرابة أبداً في تفوّق سرعة نمو الواردات على نمو الصادرات غير النفطية، ولا غرابة في بقاء مضاعف الواردات إلى الصادرات غير النفطية فوق ثلاثة أضعاف لأكثر من عقديّ زمنٍ مضيا، إنّه مؤشر على اعتماد الاقتصاد المحلي في استهلاكه على الواردات من الخارج أكثر مما أنتجه محلياً! فإن كانتْ تلك الإنتاجية متواضعة في الأصل، هل من المقبول والممكن الحديث عن توافر ''تنافسية'' لأمرٍ لا يكاد يُذكر من الأصل؟! كيف للقاعدة الإنتاجية المتنوّعة أن تتوافر بالدرجة الأولى؟ ثم بالدرجة التالية أنْ تتسلّح بالتنافسيّة؟ أؤكد، كيف يمكن أن يتحقق لك ذلك؟ وأنت بمواجهة أحد أهم عناصر الإنتاج ممثلاً في ''العمل''، حاملاً في أحشائه تسعة من أصل عشرة عمّال لا يحملون أكثر من الشهادة المتوسطة؟! سيقول قائل: حسناً؛ من أين يأتي هذا النّمو القوي المتحقق للقطاع الخاص بمعدلاتٍ فاقت النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني؟ أجيبُ: إذا علمنا أن 67 في المائة من العمالة الوافدة (أكثر من 65 في المائة بإضافة العمالة الوطنية) تتركّز في نشاطي التشييد والبناء، وتجارة الجملة والتجزئة حسب تصنيف النشاط الاقتصادي للسوق، حيث يستأثر النشاط الأوّل بأكثر من 49.3 في المائة من العمالة الوافدة، ثم النشاط الثاني في الاستئثار بخُمس العمالة الوافدة، وأنَّ مصدر الدخل الرئيس للتشييد والبناء هو المناقصات الحكومية (وصل إجمالي الإنفاق الرأسمالي الحكومي خلال 2010 -2012 م لنحو 737 مليار ريال)، فيما تتزوّد تجارة الجملة والتجزئة في دخلها من ''نافذة'' الواردات (وصل إجمالي قيمتها خلال 2010 – 2012 م لنحو 1.5 تريليون ريال)، ليصبح مجموع مصادر دخل هذين النشاطين فقط، أكثر من 2.2 تريليون ريال خلال ثلاثة أعوام فقط، أؤكّدُ بعد كل ما تقدّم؛ هل هناك من يشك في أهم مصدرٍ لهذا النمو اللافت للقطاع الخاص؟! لقد تبيّنتْ الآن الحقائق الغائبة خلف ''إنجازات'' نمو كل من النمو الحقيقي وتوظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص، التي تقدّم فعلياً النتيجة الحقيقية لقياس كفاءة أداء سوق العمل المحليّة! فهل نرى تصحيحاً قريباً لنهج وزارة العمل تحديداً، والجهاز الاقتصادي لدينا عموماً؟ أمْ ستستمرُّ حالة الاطمئنان ''الوهمي'' إلى تلك الإنجازات رغم كل ما حملته في أحشائها من مفارقاتٍ مخيفة؟ ننتظر، لنرى ما يحمله لنا المستقبل في رحمه.
إنشرها