Author

النفط الصخري من مؤشرات الذروة

|
لو اجتمعت الإنس والجن والشجر والدواب، ومنظرو النفط الصخري والصخر النفطي، على أن يمنعوا وصول الإنتاج النفطي إلى الذروة، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وهو من باب التحدي لقدرة الله. لأن من سنن الخالق أن لكل شيء نهاية، ولا مبدل لكلمات الله. وهذه النفوط التي نتحدث عن ذروة إنتاجها، هي في واقع الأمر مصادر محدودة الكمية ولا بُدَّ من أن تمر مراحل استنزافها بذروة قبل أن تتجه نحو الانخفاض ثم تنتهي بالانقراض. هل في هذا الكلام غموض يتعسَّر على القارئ فهمه أو ألغاز يصعب حلها؟ فلماذا نسمع من وقت إلى آخر أصواتاً تُنكر وجود ذروة للإنتاج النفطي؟ والبعض، ممن يتوقعون حدوث الذروة، يؤخرون وقت وقوعها عشرات السنين دون دليل مُقنع. ونود أن نُذكِّر المهتمين بشؤون الذروة أن هناك علامات صريحة وواضحة المعالم تشير إلى وصول "مجموع" الإنتاج النفطي العالمي إلى الذروة، التي تُعبِّر من خلالها عن عدم إمكانية رفع الإنتاج فوق مستواه الحالي لمدة تزيد على بضعة شهور. وبطبيعة الحال، فإن ذلك يعني احتمال بدء الانخفاض التدريجي في غضون سنوات قليلة، وهو ما سيتسبب في نزول صدمة أو كارثة مخيفة على الاقتصاد العالمي الهش الذي كان أساساً مبنيًّا على مبدأ توافر مصادر توليد الطاقة الرخيصة خلال ما يزيد على القرن. ولعل من أبرز علامات وصول الذروة، اللجوء إلى إنتاج النفط الصخري المُكلِّف واندفاع معظم دول العالم اليوم نحو التوسع في منشآت مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وخصوصاً الطاقة الشمسية، تحسباً لأن ينال منهم طوفان نقص المواد الهيدروكربونية وهم في غفلة عنها. إضافة إلى وتيرة رفع أسعار المشتقات النفطية إلى مستويات قياسية خلال زمن قصير، وتجاوزها 100 دولار للبرميل، خوفاً من حدوث شح في الموارد النفطية. جميع هذه العوامل لها ارتباط مباشر بالذروة النفطية التي يحاول البعض ألا يعترف بوجودها. وربما أن السؤال الأكثر إلحاحاً وأهمية هو: ما تأثير ذروة الإنتاج من عدمها بالنسبة للاقتصاد العالمي والمجتمع الدولي؟ والجواب البسيط أنها تعني لهذا وذاك كل شيء. فالذي يُسيِّر الاقتصاد هي الطاقة، وإذا تأثرت مصادر الطاقة سلباً أو إيجاباً، كذلك تأثر الاقتصاد في الاتجاه نفسه. والكل يذكر النمو الهائل والسريع الذي مر به الاقتصاد الغربي على وجه الخصوص، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عندما كانوا ينتجون نفطنا ويبيعونه لأنفسهم بأسعار بخسة. واستمر نمط النمو والازدهار الاقتصادي حتى نهاية القرن العشرين، حيث بدأت حينئذ تظهر ملامح حدوث أزمة "طاقوية" متمثلة في صعود متسارع لمستوى الأسعار، نتيجة للنمو الكبير في الطلب العالمي على مصادر الطاقة مصحوباً بظهور بوادر احتمال نقص في الإمدادات النفطية. وقد تزامن ذلك مع خروج عدة دول كانت تُحسب من المصدرين للنفط، وفجأة انضمت إلى صفوف المستوردين، مع عجز شبه كامل عن اكتشاف حقول نفطية جديدة رغم الجهود والأموال الكبيرة التي كانت ولا تزال تُبذل في هذا المجال. وكان من الطبيعي عند بداية هذه المرحلة أن تتحول أنظار العالم نحو إيجاد مصادر جديدة ومتجددة لمصادر الطاقة كرافد لمصادر النفط التقليدي ذات التكلفة الرخيصة. ففي الولايات المتحدة وجدوا ضالتهم فيما يُسمى بالنفط الصخري، وهو سائل نفطي يتواجد داخل صخور شبه صماء، بعدما أصبح إنتاجه المُكلف اقتصاديًّا بفضل ارتفاع الأسعار إلى ما فوق الـ 100 دولار. وتكلفة إنتاجه تصل إلى عشرة أضعاف تكلفة النفط التقليدي. ومعدل إنتاج البئر الواحدة في حدود 150 برميلا في اليوم، مقارنة بآلاف البراميل من آبار نفوط الشرق الأوسط. ومع حفر ما يزيد على 20 ألف بئر وصرف مئات البلايين من الدولارات، وصل الإنتاج إلى ما يقارب مليون و500 برميل في اليوم. ومجموع الإنتاج العالمي يلامس 90 مليوناً. أي أن نسبة إنتاج النفط الصخري إلى الإنتاج العالمي أقل من 2 في المائة. ومع ذلك، فنكاد نصم آذاننا من صخب الدعاية الإعلامية والتضليل الذي رافق إنتاج هذه الكمية الضئيلة. وهي لا تقارن بمقدار كمية النضوب الطبيعي الذي تفقده الحقول المنتِجة حول العالم، وهي نسبة تزيد على 3 في المائة سنويًّا. وزيادة في التهويل، هناك منْ ربطوا بين إنتاج النفط الصخري الجديد وذروة الإنتاج التي لا مفر ولا مناص من قبولها. ويظنون أن النفط الصخري سيحل محل النفط التقليدي ويهدم ما يطلقون عليها "نظرية الذروة". وهي ليست نظرية بل حقيقة ماثلة أمامنا اليوم بموجب الشواهد التي ذكرناها. وبلوغ ذروة الإنتاج النفطي لا يعني على الإطلاق نهاية عصر النفط. وإنما هي بداية لمرحلة النضوب التي ستستغرق مئات السنين. ولكن تأثير الوصول إلى الذروة وما بعدها من مراحل نقص الإمدادات النفطية على مستقبل النمو الاقتصادي سوف يكون سلبيًّا وخطيراً. وأول رد فعل لهذا الحدث هو ارتفاع أسعار مصادر الطاقة وتقلص المردود على الاستثمارات المالية، ومن ثم نشوء أزمات مالية خانقة. ويتنبأ بعض الخبراء والمتخصصين بارتفاع مستوى الطلب العالمي على مصادر الطاقة بنسبة تراوح بين 30 و 40 في المائة عند حلول عام 2030. فكيف إذًا نوفق بين تقلص الإنتاج النفطي المتوقع والزيادة الكبيرة في الطلب في ظل تواضع الاهتمام بالمصادر البديلة المتجددة وظاهرة ميل المسؤولين إلى قبول التنبؤات المتفائلة على الرغم من عدم دقتها وخطورة عواقبها الوخيمة على مستقبل الشعوب؟ ولذلك، ومن هذا المنطلق، كنا نحذر منذ أمد بعيد من التهاون والتراخي في الاستثمار في مشاريع مصادر الطاقة المتجددة التي أصبحت اليوم في متناول الجميع وبأسعار معقولة ومنافسة. وقلنا إن التهاون فيما يتعلق بهذا المجال الحيوي قد يجعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً مع مرور الوقت.
إنشرها