Author

تطوير الأحياء وحل الصعوبات

|
طال النقاش وامتد. اختلف الجميع في النهاية ولم يتفقوا على تعريف من هو الفقير. اختلفوا في تحديد مسؤولية من هذا الفقر الذي تتحدث عنه وسائل التواصل الاجتماعي، وتُنشأ بسببه ''هاشتاقات''، بل تُنقل برامج تلفزيونية موقفة إلى الفضاء الإلكتروني لمعالجته في إصرار سببه غير معروف. استمرار هذا النقاش له ما يبرره. فالجهات الحكومية أغفلت أو تغافلت تحديد خط الفقر، وهذا الخط يرتفع وينخفض كما هو معلوم اعتماداً على حالة الاقتصاد, والوفرة المالية ومؤشر أسعار المستهلك ''CPI''. يعتمد تحديد خط الفقر على إجمالي دخل الأسرة. تحدد الجهة المسؤولة عن تقدير خط الفقر مبلغاً هو الحد الأدنى الذي يجب أن يتوافر للصرف لدى الأسرة شهرياً أو سنوياً. لا يتضمن هذا الرقم حالة السكن والضمان الصحي أو المكاسب الرأسمالية التي تحصل عليها الأسرة. إذاً قد تكون هناك أسرة تتوافر لها الخدمات الصحية وتمتلك منزلاً، ولدى ربِّها أسهم في شركات، وتكون تحت خط الفقر. تقع مسؤولية تحديد خط الفقر على الجهات الإحصائية في الدولة، وهي وزارة الاقتصاد والتخطيط في حالة المملكة. لكن عدم وجود هذه المعلومة، جعل الجميع يجتهدون في تحديد خط الفقر ومن يقع تحته وفوقه. يقول المنطق إن عدم قيام هذه المؤسسة الحكومية بهذه المهمة متعمَّد وليس نتيجة الجهل بهذه المسؤولية، وهذه قضية يجب أن تطرح للنقاش. قضية العلم بالشيء لها أهمية كبرى في مجال التخطيط. يجب أن يعرف المخطط كل المعلومات المتاحة، ويبحث عن المعلومات غير المتاحة ليضع خطة متكاملة لها معطيات وعمليات ونتائج رقمية ملموسة. عندما تتوقف وزارات مسؤولة عن تحديد الحد الأدنى للأجور، فهي تفعل ذلك لعدم وجود ما يسمى Consumer Price Index، وهو مؤشر أسعار المستهلك. على هذا الرقم تعتمد معلومات التضخم، وتحديد خط الفقر، والحد الأدنى للأجور. هذه المعلومات الاقتصادية هي أساس التعامل العلمي مع قضية مثل قضية الفقر والحد من نسبة الفقراء؛ لأنها تحددهم كمرحلة أولى. ثم تساعد على ربط الأنشطة التي تنفذها وزارات كالشؤون الاجتماعية والعمل والشؤون الإسلامية والتخطيط والخدمة المدنية والمالية وغيرها، بواقع الحال في الدولة والمنطقة والمحافظة. وفي النهاية، تسهم في تحديد مدى نجاح هذه الجهات في تحقيق أهدافها بشكل رقمي تظهره الإحصائيات السنوية وربع السنوية والشهرية، في حال مثالية. هل ننتظر حتى تقرر وزارة الاقتصاد والتخطيط والتجارة والعمل أن تقوم بأدوارها في إنتاج البيانات الاقتصادية الأساسية، وهي التي لم تفعل منذ عقود؟ يبدو أن الانتظار لن يؤدي سوى لاستفحال الفقر والبطالة والحاجة في المجتمعات. دفع هذا الأمر المجتمع المدني لأن يأخذ دوراً أكبر. على أن نتائج العمل غير المؤسس على قواعد علمية لن تكون بجودة مخرجات العمل العلمي المبني على الإحصائيات. الفقر ليس عيباً، ولا توجد دولة تدعي أنها خالية من الفقر حتى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تحدد خطا للفقر، يقع تحت خط الفقر نسبة بلغت 15 في المائة في دولة مثل الولايات المتحدة. قامت الكثير من الجهات الخيرية والجمعيات التعاونية بجهود مميزة في البحث عن المشاكل الأسرية والمالية في الأحياء. تميز في هذا المجال الجهد الذي أسهمت به جمعية مراكز الأحياء في محافظة الطائف. نفذت الجمعية مجموعة من الأنشطة العلمية والتنفيذية في مجال تطوير الأحياء وضمان المساهمة الفعالة لسكان الحي في حل الصعوبات التي تواجه جيرانهم. حقق حي ''قروى'' في محافظة الطائف المركز الأول في المشاركات الاجتماعية والأنشطة التي تدعم تواصل السكان. نفذ المركز أنشطة شملت تنظيف المساجد والدعوة لبر الوالدين ودعم العلاقة بين الجيران بعنوان ''خير الجيران جاري'' وجملة أنشطة رياضية تجمع سكان الحي. أنشطة مثل هذه هي في غاية الأهمية في ظل التباعد الذي نلاحظه بين سكان الأحياء واختلاف نمط الحياة الاجتماعية بسبب كم المشاغل وانعدام الثقة داخل منظومات المجتمع المدني. لكن هذه الخطوة تبقى رائدة في ضمان التقارب بين أهالي الحي والتعرف على الصعوبات التي يواجهونها ومحاولة حلها. وأولى هذه الصعوبات هي حالة الفقر التي تعانيها الأسر داخل الحي، خصوصاً في أحياء قديمة مثل حي قروى. يبقى الفرح بوجود هذه الأنشطة، والحاجة إليها قائمة حتى لو وجدت المعلومات الإحصائية عن الفقر، ذلك أن التواد والتراحم والتعاطف الذي تنشره هذه الجمعيات بأنشطتها هو ما يميز المجتمع الإسلامي، لكن القيام بالدور المطلوب من الجمعيات والمسؤولين عن دعم العلاقة بينها وبين الأهالي سيكون أكثر إنتاجاً وفائدة وتركيزاً عندما نعرف موقع كل واحد من سكان الحي من الخريطة الاقتصادية للمدينة والمنطقة والمملكة ككل. هذا إضافة إلى تركيز التنمية والجهد الحكومي المبذول لخدمة المواطن في كل مكان.
إنشرها