الابتكارات وأفكار الابتكارات

في كل شعب هناك مجموعة تسعى دائما إلى الابتكار والتطوير والتغيير إلى الأفضل، يحاولون بإمكاناتهم المتواضعة التوصل إلى ابتكارات جديدة ومفيدة، وهذا ما جعلنا نبتكر السيوف والسهام والرماح والمنجنيق قديما والمسدسات والقنابل والدبابات والطائرات المقاتلة حديثا، إنها العزيمة نفسها التي تجعلنا نسير بشغف إلى عالم تتزاحم فيه الابتكارات، حتى وصلنا في وقتنا الحاضر إلى مستوى متقدم من التطور لدرجة لو استطاع أن يزورنا شخص كان يعيش منذ ألف سنة مثلا لصعق من مستوى تطورنا ومن طريقة حياتنا، إن الشغف نحو التطور والاكتشاف أدى بنا إلى غزو الفضاء وكسر المستحيل، فطِرْنا في السماء وسرنا في أعماق البحار، وجعلنا العالم قرية صغيرة تطير فيها الأخبار بأسرع من سرعة الصوت، إن ذلك الشغف هو ما جعلنا نحلي مياه البحر ونأكل الفواكه في غير موسمها ونسيح في أي بقعة من بقاع الأرض بسهولة ويسر، وهو ما جعلنا نستخدم الهواتف النقالة لنتحدث إلى أي شخص في أي بقعة من بقاع الأرض وفي أي وقت بكل سهولة ويسر، وهو ما جعلنا نستخدم العقول الإلكترونية لإدارة جميع أعمالنا الرئيسة، وهو ما مكّننا من رفع مستوى الإنتاج الزراعي بشكل كبير جدا بما يفي باحتياجات البشرية ويلبي متطلباتها، وكذلك فعل في صيد الأسماك والحيوانات - ولو أنه أمر لا يدعو للفخر، وهو أيضا ما جعلنا نعيش بمنازل معتدلة الحرارة في المناطق ذات المناخ القاسي حرا أو بردا. ولدينا كما لدى الآخرين عقول متشبعة بشغف الاكتشاف والابتكار والتطوير مع الأسف لم نتمكن من استغلالها الاستغلال الأمثل، وذلك بسبب عدة عوامل من أهمها أننا لم نفرق بين الابتكار وفكرة الابتكار، ففكرة الابتكار تحتاج إلى عمل إضافي لكي تصل إلى مستوى ابتكار، وما يفعله المبدعون هو خلق أفكار ابتكارات جيدة وليس ابتكارات مكتملة، فيجب دراسة الأعراض الجانبية للابتكارات وتصميم الابتكارات بطريقة اقتصادية تجعل تصنيع وبيع تلك الابتكارات مجديا اقتصاديا، وهذا ما لا يفهمه الكثير من المبتكرين لدينا وما لم تتنبه له مؤسسات الدولة المعنية بالابتكارات وعلى رأسها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، فإذا ابتكرت ما يجعل المناخ في المناطق المفتوحة معتدلا رغم حرارة الشمس فيجب عليك التأكد من أن ذلك لن يسبب أضرار صحية على الناس وبالتالي أنت تحتاج إلى طبيب متخصص يتأكد من ذلك. يجب علينا أن نساعد هؤلاء المبتكرين في نقل أفكار ابتكاراتهم - إذا كانت جيدة طبعا - من مجرد فكرة ابتكار إلى ابتكار مكتمل العناصر عن طريق توفير فرق الدعم المختلفة التي غالبا ما تتوافر لدى جامعاتنا فهي تعج بالدكاترة المتخصصين في مختلف المجالات، كما يجب علينا توفير المعامل التي يمكن لهؤلاء المبتكرين أن يطوروا فيها ابتكاراتهم حتى تكتمل عناصرنا فتصبح ابتكارا ناضجا يمكن استثماره تجاريا. كما يمكننا عن طريق شراكة بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والغرف التجارية أن نشتري من هؤلاء المبدعين ابتكاراتهم التي هي مجرد أفكار جيدة ونعمل على تطويرها لتحويلها إلى ابتكارات ناضجة يمكن تصنيعها وتسويقها بشكل مربح، سمعت عن شركات أمريكية تفعل ذلك وتمنح المبتكرين مبالغ طائلة لشراء أفكارهم الخلاقة. كما يمكننا أن نفعل ذلك على المستوى العربي، فنوحد الجهود التي تبذلها الحكومات العربية في الاستفادة من الابتكارات المحلية لديها ليكون العمل على مستوى عربي موحد، وندعو رجال الأعمال العرب لعقد شراكة ناجحة مع تلك المؤسسات، وبذلك نستطيع أن ننهض بالصناعة العربية إلى مستوى مرموق يحقق لنا النمو المطلوب، ولأننا نجحنا في العمل العربي الموحد على مستوى اكتشاف المواهب الفنية في البرامج الفنية الغنائية المشهورة فمن الممكن أن نحقق مستوى النجاح نفسه على صعيد الابتكارات أو أفكار الابتكارات، فتتحول العملية إلى عملية مربحة تجاريا من مرحلة اختيار أفكار الابتكارات إلى مرحلة التصنيع والتسويق التجاري، تخيل وأنت تنظر إلى منتج عربي وتعرفه من وقت كان مجرد فكرة جيدة في برنامج جماهيري ناجح، إنه أمر رائع بلا شك ونجاح سيقفز بنا إلى مصاف الدول المصنعة عالميا.