Author

آفاق الاقتصاد المصري في ظل الانقلاب

|
مستشار اقتصادي
لعل الأوضاع الاقتصادية في مصر منذ انقلاب عبد الناصر في 1952 إلى خروج مبارك المشين، سبب مباشر لتعثر المسيرة المصرية في كل الميادين. الانقلاب الأخير سوف لن يحمل الحلول الناجعة لإشكاليات مصر الاقتصادية، التي لم تستطع الحكومات العسكرية بنسخها الاشتراكية أو الرأسمالية المتسيسة من حلها حينما كان سكان مصر 28 مليونا في عام 1960 في ذروة السياسات الناصرية إلى 84 مليونا اليوم وبزيادة أربعة آلاف يوميا. تدريجيا أصبح الجيش فاعلا في الاقتصاد، حيث يتحكم في نحو 30 في المائة من الدخل القومي والجزء الذي يتحكم فيه القطاع الخاص مبني على رأسمالية معتمدة على الجيش والحكومة، وبالتالي ارتباطها ونسيج علاقاتها مسيسة على حساب المنافسة الدافعة للتقدم والفاعلية. في العام المنتهي في يونيو 2013 بلغ العجز في الميزانية 28.8 مليار دولار - ما يعادل نحو 11.5 في المائة من الدخل القومي - كما أن الاقتصاد سجل ركودا حادا منذ 2011. سمحت النخب المصرية للعيوب الهيكلية بالتراكم إلى أن أصبحت المشاكل سياسية وعصية، حيث تتطلب وثبات في الفكر والخيارات السياسية والمفاضلات الاقتصادية في وقت حرج. العلاقة بين أفق اقتصادي جديد والسياسة وثيقة ومباشرة. مرحلة الانسداد والاحتباس السياسي في مصر أصبحت معروفة إلى أن وصلت مصر إلى تسمم الجسم السياسي. فالإسلام كثقافة وكمرجعية فكرية وسياسية مقبول لدى الأغلبية، ولكن هناك جزء مؤثر تعمق وقبل بالثقافة الدنيوية متأثرا بالحداثة أو التغريب ــ المسميات تعتمد على المنطلقات الثقافية والسياسية، وهناك جزء وجد نفسه مستفيدا من الوضع الراهن ماديا. ولكن الأغلبية ليست على درجة من التماسك السياسي في مجتمع يغلب عليه الحياة البسيطة، خاصة أن سقوط مبارك فاجأ حتى الإخوان، كذلك هناك طيف واسع في وسط الإسلام السياسي، ولذلك ستكون هناك معارضة قوية وحتى فرصة للعنف، خاصة على خلفية ما يرى البعض أنه حق مغتصب. هذه التقاطعات تجعل الوصول إلى أفق استراتيجي تنموي بعيد الأجل صعبا للغاية. أمل ظهور شبيه لتورجوت أوزال مصري ضعيف في ظل تشرذم الجسم السياسي الإسلامي والدنيوي وسطوة العسكر وضعف مصداقية من حولهم من المؤثرين من رجال أعمال وجهاز بيروقراطي. ظهور تورجوت أوزال في تركيا كان نذيرا بتقدم لسياسي يستطيع إيجاد الوسط بين حاجة تركيا للتقدم الاقتصادي وتوسيع المساحة السياسية تدريجيا، كثير في العالم العربي يجير نجاح تركيا لأردوغان وحزبه، ولكن دور أوزال كان مفصليا، حيث استطاع الأخذ بسياسة السوق والتعامل مع العسكر. يبدو أن مصر أقرب إلى النموذج الباكستاني منها للنموذج التركي بالرغم من القرب الجغرافي والتقارب الثقافي. يتفق خبراء التنمية على أن هناك نقاط تحول يصعب التنبؤ بها حينما تأخذ المجتمعات بسياسات تحولية يستطيع بها السياسي إعطاء رسائل فاعلة نافذة بأن السياسة ليست فرصة للكسب ولكن لتفعيل المؤسسات وتغيير التصرفات. التحدي للنخب المصرية في ما إذا هي قادرة على هذه الرسائل العميقة. فقدان الإصلاح طرح الحاجة للدعم الخارجي التي عادة لا تنقذ أحدت بالرغم من أن حاجة الغالبية من المصريين للمساعدة واضحة وحتى مفهومة من منظار جيواستراتيجي، فمصر أهم من أن تترك في ظل فقر الملايين وتهالك البنية التحتية. السبب يعود إلى أن المساعدات تذهب في الغالب كفرصة لترحيل الإصلاح الذري، ولعل مصر مثال جيد على عدم جدوى المساعدات الخارجية على مدى 40 عاما الماضية. من تناقضات المشهد اليوم أن الحكومات المتعاقبة فشلت في حماية الحقوق الخاصة، بينما المحتوى التنظيمي الإسلامي يحمي الحقوق الخاصة الضرورية كركيزة لاقتصاد السوق. لا أعتقد أن أحدا يستطيع استقراء الحالة المصرية، ولكن هناك شواهد مهمة، منها أن الحل يجب أن يكون مصريا، ومنها أن تكون المساعدات الخارجية ضرورية، ولكن يجب توظيفها فقط في البنية التحتية مهما كانت الأصوات للحلول الاشتراكية السطحية، حيث إن الدعم من أهم آفات الاقتصاد المصري، ومنها الجدية في معاقبة الفاسدين وليس التخفي خلف إجراءات قانونية شكلية. هل النسيج المصري قوي ومتماسك بما فيه الكفاية لإحداث نقلة نوعية، أم أن مصر ستتموضع مجددا للتعايش مع الفشل البطيء كما كانت منذ أواسط القرن الماضي.
إنشرها