Author

صفعة من رجل الهيئة

|
يؤمن بالإسلام اليوم ما يقارب ملياري إنسان. أكثر من ثلثهم يقعون في دول لم يصلها الفتح الإسلامي. بل إن أكبر دولة إسلامية في العالم هي إندونيسيا، وتلك دولة لم تفتح بالغزو. ينتشر الإسلام اليوم في كل العالم رغم أنه لم يعد هناك ما يميز دول العالم الإسلامي بعد أن فقدت الأمة مركزها المحوري في قيادة العالم. يزداد عدد المسلمين اليوم في الدول ذات المستوى الاقتصادي الجيد والمعدل التعليمي العالي. يدل هذا على أن تقبل الدين هو بسبب قناعة بمحتواه. ولكن ما أثر المسلمين في تقبل الإسلام لدى المسلمين الجدد؟ يروي لي أحد الأصدقاء أنه قابل مسلماً من ألمانيا. أثار المسلم الألماني قضية مهمة يجب أن نتنبه لها جميعاً، عندما قال: أحمد الله أنني أسلمت قبل أن أزور أي دولة من دول العالم الإسلامي. الزائر لأي دولة من دول العالم الإسلامي يجد أن الشعوب تبتعد بشكل مخيف عن تعاليم الدين. تفقد هويتها الإسلامية لمصلحة هويات وأشكال وأساليب حياة غريبة، تسيء إلى الدين وإلى المجتمع الذي فقد هويته وأصبح ضحية لانهزام فكري ونفسي ماحق إن لم نتداركه تربوياً ومجتمعياً. يلاحظ الزائر لكل الدول الإسلامية ثغرة اجتماعية خطيرة بين المسجد ومؤسسات المجتمع، والناس. يفقد رجال الدين مكانتهم التي كانت تضمن لهم وللمجتمع الحماية من الاستعمار النفسي وفقدان الهوية. يسهم في هذه الخسارة الإعلام الذي تسيطر عليه فئات تعادي، بل تحارب الدين كلما سنحت لها الفرصة. تنتشر الأخبار المسيئة للدين في كل القنوات تقريباً. بل إن كثيرا من القنوات وكثيرا من المتابعين ترسخت لديهم قناعات تربط الإسلام بالإرهاب. أسهم في تعميق هذه المشكلة انتشار الإنترنت ومقاطع كثيرة تصور المسلمين على أنهم وحوش ومجرمون. يقف وراء تلك الحملات – بالتأكيد – إما قوم يحاربون الدين أو لا يفهمونه فهماً صحيحاً. لكن من يشارك في التصوير والإنتاج ويفتخر بما ينتشر هم من المسلمين الذين لا يعلمون حجم تأثير ما يفعلونه في الدين ورؤية العالم له، بل نفور المحايدين من الإسلام. على أن من المهم أن نتذكر أن الإسلام قبل سنوات عدة كان الدين الأكثر تقبلاً في العالم. وها هو يفقد هذا المركز نتيجة جهد مخطط من أعدائه وجهد غير موفق من أبنائه الذين يسيئون له أكثر مما يفعل أعداؤه. تتحدث الإحصائيات عن تعادل في عدد المنتمين للإسلام بسبب أن معتنقيه من الجدد يعادل عدد الخارجين منه، وهذا أمر مؤسف للغاية. انتشر الإسلام في كثير من دول العالم بسبب قضية وحيدة وأساسية هي ''الحب''. أحب الناس محمداً - صلى الله عليه وسلم - بسبب خلقه، فاعتنقوا دين الإسلام. قال المولى - جل وعلا: ''ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك''، وقال تعالى: ''وإنك لعلى خلق عظيم''، بهذه المعاني السامية انتشر الإسلام دين المحبة، دين الخلق، دين القيم العالية. حتى سكان الدول التي دخلها الدين بالفتوح لم يكونوا مرغمين على اعتناق الدين، فقد كان لكلٍ الحق في البقاء على دينه. لكن الأغلبية رأوا في الإسلام ما يميزهم عن غيرهم، فاعتنقوه بل برعوا في علومه كالحديث والتفسير والفقه. هذا الحب هو ما ينشر المفاهيم التي تتعامل مع الروح، وأهم تلك المفاهيم هو الدين. يلاحظ كثيرون أن انتشار الأديان يتم من خلال أنشطة خيرية وأعمال تُرقِّقُ القلوب وتدفعها للتفكر في حال منفذيها، وما دفهم لذلك، بل إن انتشار المسيحية في كثير من الدول الفقيرة هو نتيجة ما يراه الناس من عون ومساعدة ودعم وعناية من الرهبان والعاملين على نشر الدين بين الناس. هذه أيضاً إحدى وسائل نشر الدين الإسلامي في تلك الدول. على أن ذلك ليس تصنعاً أو كذباً أو استدراجاً، فهذا الدين مبني على المحبة والتآخي والتآزر والعناية بالمحتاجين، والشواهد والأدلة على ذلك كثيرة. يفتقد بعض دعاتنا اليوم ومن يمثلون الدين في المفهوم الجمعي إلى تلك الصفة المهمة. فرغم أن الكثيرين يبحثون في مشاكل المجتمع ويبذلون جهوداً مشكورة في عمل الخير وإعانة المحتاجين، إلا أن البعض يأتون بأساليب وطرق ومنفرة تسيء للدين ولكل المنتمين له. من ذلك ما انتشر خلال الأيام الماضية من اعتداء أحد رجال الهيئة على شاب بصفعه على وجهه، رغم أن القانون والنظام لا يسمحان بمثل هذا السلوك. سواء كان المقطع صحيحاً أم لا، فإنه يطرح قضية مهمة، وهي أسلوب تعامل رجال الحسبة مع المخطئين. إن وجود هذا الجهاز يهدف للدعوة وحماية الأخلاقيات بأسلوب إسلامي يدفع للعفة والمحبة، وقد أنجزت الهيئة الكثير في هذا المجال، لكن مثل هذا المشهد يسيء للدين برمته وليس للجهاز نفسه فقط، ويعيد الهيئة للخلف، ويشجع أعداءها على الإساءة لها. ولنتذكر أن أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق.
إنشرها