Author

«التوازن الاقتصادي» يصنع بيئات عمل مثالية

|
في عام 1984، أسست الحكومة السعودية برنامجا استراتيجيا يدعى برنامج ''التوازن الاقتصادي''، يتولى استثمار بعض الأموال التي تنفقها الحكومة على عقود مشترياتها الخارجية الكبرى، عبر اتفاقيات للتوازن الاقتصادي أبرمت مع الشركات الأجنبية المنفذة لهذه العقود مثل ''بوينج'' و''جنرال إلكتريك'' و''لوسنت تكنولوجيز''، وغيرها. ومنذ ذلك الحين، جرى تأسيس مجموعة من الشركات الوطنية تحت مظلة البرنامج لتعمل في مجالات متنوعة أبرزها في الطيران والفضاء، والطاقة والإلكترونيات، والاتصالات وتقنية المعلومات، منها: شركة الإلكترونيات المتقدمة، وشركة السلام للطائرات، وشركة الشرق الأوسط للطاقة. وتأتي ''الإلكترونيات المتقدمة''، التي أسست عام 1988، في طليعة شركات البرنامج، حيث تعمل في مجال تصميم وتصنيع وتطوير الإلكترونيات وأنظمة الاتصالات المختلفة وتوفير الحلول التقنية في المجالات العسكرية والمدنية والصناعية. وأثناء جولة لنا على مقر ''الإلكترونيات المتقدمة'' في الرياض، أوضح الرئيس التنفيذي للشركة الدكتور غسان بن عبد الرحمن الشبل، أن ادارتها بقدر ما تعتز بالكوادر السعودية، تعتز كذلك بالكفاءات الأجنبية التي جاءت لتدرب السعوديين وتنقل خبرتها إليهم، وهذا ما جعل الشركة بيئة عمل نموذجية تستقطب كفاءات وطنية وأجنبية تعمل بتناغم تام، وتتفادى المشكلة المعروفة بـ ''الملاكمة المزدوجة'' double-boxing، التي تواجهها بعض الشركات حين تقرن بشكل عشوائي الموظف السعودي بموظف أجنبي، وتتحول التجربة إلى ''صراع من أجل البقاء'' فيما بينهما، وذلك لغياب الآليات التي تكفل نقل المعرفة نقلا سلسا من الخبرات الأجنبية إلى الكوادر الوطنية. وتتلخص فلسفة الموارد البشرية التي تؤمن بها الشركة في عبارة: ''موظفو اليوم هم قادة المستقبل''، وهذا استلزم إنشاء برامج للتدريب والتطوير الوظيفي بهدف توفير جيل جديد من القياديين والمهندسين والفنيين. حيث تجاوز عدد منسوبي الشركة ألف موظف، 72 في المائة منهم سعوديون. وإذا جرى التصنيف مهنيا، نلاحظ أن 80 في المائة من مهندسي وفنيي الشركة هم سعوديون، وهذا بحق مصدر فخر. فالموظف السعودي لا يهمه الحصول على رواتب ومزايا مالية عالية فحسب، بل يسعى إلى الالتحاق بمؤسسة تعمل وفق أسس أخلاقية واحترافية، وتحتفي بالمواهب، وتوفر لهم التدريب والتطوير المستمرين، ما يسهم في إبقاء ''منحنى التعلم'' مرتفعا لدى الموظف وأقرانه. مررنا من خلال ممرات المكاتب إلى مرافق المصنع، وقد أنبهرنا ببيئة العمل التي وفرتها الشركة، ما ساعدها على خدمة الاقتصاد المعرفي، واستقطاب وتوظيف الكفاءات الوطنية والمحافظة عليها، واتباعها أعلى معايير الجودة والسلامة في العمل. المصادفة غير واردة في الشركة، فكل شيء فيها يسير وفق خطة معلومة. والسبب يعود إلى أن الشركة تطبق منهجيات الجودة والسلامة في العمل، التي تساعدها على رفع كفاءة وفاعلية التشغيل (الإنتاج)، ومن ضمن ذلك، اتباعها منهجية ''كايزن'' (تعني باللغة اليابانية التحسين)، التي تتم عبر الخطوات التالية: - توحيد العمليات والأنشطة. - قياس العمليات الموحدة. - مقارنة المقاييس مع المتطلبات. - الابتكار للوفاء بالمتطلبات وزيادة الإنتاجية. - توحيد العمليات الجديدة المطورة. - تكرار الخطوات السابقة. اللافت في جولتنا على المصنع أن ''المكان'' من حولنا في غاية الترتيب والتنظيم، فكل شيء موضوع في مكان محدد ومعلم بعلامات، حتى المقاعد ومنصات العمل، بل حتى ''المفك'' مخصص له مكان محدد لا بد أن يؤخذ منه ويعاد إليه. فالشركة تبنت طريقة 5S، التي يستفاد منها في منهجية ''كايزن''، وتساعد على ترتيب وتنظيم وتنظيف مكان وأدوات العمل، وبالتالي يتحفز الموظفون لرفع إنتاجيتهم في ظل بيئة منظمة لا تترك مجالا للفوضى أو التكدس اللذين قد يؤديان إلى وقوع الأعطال أو إصابات العمل. أما جهود الشركة في مجال السلامة، فهي تظهر بدءا من ارتدائنا المعاطف التي تمنع حدوث الكهرباء الساكنة، إلى وضع تدابير وقائية تكفل سلامة الموظفين وممتلكات الشركة، فكل ركن من أركانها يحمل تعليمات وأدوات السلامة، كما أن الموظفين مدربون على التعامل مع مخاطر العمل. قبل أن نخلع معاطفنا وننهي جولتنا على الشركة المستضيفة، تمنيت أن تكون لي ''قدرة سحرية'' على تعميم بيئة العمل النموذجية التي أسسها ''برنامج التوازن الاقتصادي'' ممثلا في ''الإلكترونيات المتقدمة'' وقدرتها على الاهتمام بمواردها البشرية، على كل شركة في عالمنا العربي.. لكن الأمنيات وحدها لا تكفي لذلك!
إنشرها