Author

تخصيص «السعودية» يحاكي التحولات الاقتصادية

|
ستنتهي عملية تخصيص شركة الخطوط الجوية السعودية قريباً، أو ''في أقرب فرصة''، كما قال الأمير فهد بن عبد الله رئيس الهيئة العامة للطيران المدني، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لهذه الخطوط. وفي انتظار تفاصيل عملية التخصيص، والمساهمين المستقبليين فيها، فإن هذه الخطوة مهمة، رغم أن بعض الجهات تعتقد أنه كان بالإمكان القيام بها في وقت سابق يعود إلى سنوات عدة، خصوصاً مع ارتفاع خسائرها. و''وطنية'' الخطوط الجوية (أي خطوط) لا تتراجع (بالطبع) إذا ما انتقلت من أيدي القطاع العام إلى الخاص. التجارب المشابهة كثيرة في هذا العالم، ولعل أشهرها الخطوط الجوية البريطانية، التي تعرّضت بسببها حكومة مارجريت ثاتشر الراحلة، إلى ''حرب'' عندما أقدمت على تخصيصها. وهذه الحرب، انحصرت في الواقع حول مخاطر تسريح نسبة من العمالة في الشركة المذكورة. أي لا دخل لوطنية الشركة أو عدم الوطنية، فكل عملية تخصيص لمؤسسة أو شركة ما، لها مخاطرها على جانب العمالة. والسبب واضح، يكمن في الفارق بين ''الذهنية'' الإدارية لكل من القطاعيْن الخاص والعام. والمؤشرات التي تدل على نجاعة برنامج تخصيص ''الخطوط السعودية''، بدأت في الواقع عندما وافقت السلطات المختصّة على عمل الخطوط الجوية القطرية، و''طيران الخليج'' على الساحة الداخلية السعودية. وتتسارع الخطوات بهذا الاتجاه، مع إعلان الخطوط الجوية السعودية توقيعها عقد بيع 30 في المائة من شركة ''الخطوط السعودية لهندسة الطيران'' التابعة لها مع شركة ''ترابط لصيانة الطائرات المحدودة'' المملوكة لشركة ''النقل المتكامل''. وتمت هذه الخطوات المتتابعة، في الأغلبية العظمى من عمليات التخصيص المشابهة حول العالم. وكما هو معروف، ''شركة الصيانة'' تقدم خدماتها لعدد كبير من الخطوط الجوية الأجنبية والعربية والمحلية. وإدخالها في مرحلة التخصيص، يفسح المجال أمامها للتحول إلى مركز إقليمي - عالمي متطور. ومن المؤشرات الداعمة أيضاً أن ''الخطوط السعودية'' شهدت في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الرحلات الداخلية والدولية، ومعدلات انضباطها والركاب المنقولين، لتحقق بذلك مزيداً من الارتقاء في مستوى الأداء التشغيلي. فقد بلغ عدد الركاب في الفترة المذكورة 12.791.915، وارتفعت نسبة انضباط مواعيد الرحلات بمعدل 2.34 في المائة. وهذه إشارات تفتقر إليها الأغلبية العظمى من شركات الطيران المملوكة للحكومات في العالم. واللافت أن الأمير فهد بن عبد الله، طمأن الجميع بأن ''الموظفين في هذه الشركة سيحتفظون بالمزايا التي يحصلون عليها، وربما يحصلون على مزايا أفضل''. باختصار، الأرضية جاهزة الآن لإعلان تفاصيل عملية تخصيص ''السعودية''. ومن أهم ''العوائد'' المستقبلية للخطوط السعودية بعد التخصيص، العمل بحرية على الساحتين الإقليمية والعالمية. ستكون الطرق مفتوحة أمامها للدخول في منافسات ربما تؤدي إلى استحواذات على شركات أخرى، لا يمكن لشركة حكومية أن تقوم بها. ففي العالم يتم التعامل مع خطوط الطيران التابعة للقطاع الخاص بصورة أكثر مرونة من تلك المملوكة للقطاع العام، لأن معايير التنافسية لا وجود لها في هذا القطاع الأخير. وإن وجدت، لا تنطبق عليها قوانين العمل الحر في أغلبية بلدان العالم، ولا سيما المتقدمة منها. ومهمة ''السعودية'' بعد التخصيص ليست سهلة، فعليها الاستعداد لتنفيذ سلسلة من المخططات لاستغلال وضعيتها الجديدة، والعثور حتى على فرص استثمارية جديدة، خصوصاً أنها تستند إلى قاعدة متينة يمكن تطويعها لتحقيق أهداف توسعية ناجحة، ذات عوائد جيدة. ولعل أيضاً من اللافت في خطوة تخصيص ''السعودية''، أنها تأتي في ظل تحرير متدرج للاقتصاد الوطني، من خلال سلسلة هائلة من المشاريع التي ستسهم في بناء اقتصاد جديد يستند إلى التحولات ومعها الاستحقاقات المحلية والإقليمية والعالمية.
إنشرها