Author

المرأة السويدية والمرأة الخليجية.. أيهما تعمل أكثر؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
التحدث عن تحرُّر المرأة في الصحافة العربية ليس بالأمر السهل والغوص في تفاصيله قد يكون شائكاً في بلدان محافظة مثل دول مجلس التعاون. هناك مشكلة كبيرة في الخطاب الذي يتناول المرأة العربية. لقد تم حصر أغلب ما يتعلق بالمرأة في كثير من البلدان العربية في العلاقة الجنسية بينها وبين الرجل ودور الرجل في حياتها. أي أننا في خطابنا نقيّم المرأة من خلال خصال العفة والعزوف عن ملذات الدنيا وإطاعة ولي الأمر (زوجها) تقريباً في كل شيء. وأغلب الخطاب العربي ينظر للمرأة ليس العربية، بل أي امرأة من هذا المنظار. فمثلا المرأة السويدية لها نظرة مختلفة تماماً حول الشؤون الجنسية وعلاقتها بالرجل التي تستند إلى المساواة في كل شيء وليس التبعية. مع الأسف لقد تم وضع مسألة تحرُّر المرأة في قالب ثقافي أو ديني تقليدي. أقول ''تقليدي'' ليس نقداً؛ لأن التقليد قد تكون له فضائل حميدة. والمرأة العربية ومعها الرجل مدعوان إلى الحفاظ على كثير من التقاليد الحميدة التي تحافظ على لحمة وتناسق وإدامة المجتمع انطلاقاً من الأخلاق الإسلامية الحميدة. فأين الإشكال إذاً؟ الإشكال هو في جعل مسألة انعتاق المرأة برمتها مرتبطة بالمحافظة على التقليد. والإشكال هو عندما يربط الرجل انعتاق المرأة برمته بالمحافظة على ما يراه هو سليم وحميد وحسن. الفرضيات التي قدمْتُها حتى الآن قابلة للمناقشة والنقض أيضاً. ولكن هل نستطيع أن نناقش وضع المرأة العربية ولا سيما في دول الخليج العربية خارج نطاق هذه الفرضيات؟ ولماذا يركز أغلب الخطاب العربي بخصوص وضع المرأة السويدية مثلاً على مسائل أخلاقية من وجهة نظر عربية؟ أنا شخصياًً لا أتمنى أبداً خروج ليس المرأة؛ بل المجتمع العربي برمته عن الأخلاق الإسلامية الحميدة. ولكن هل فكرنا ملياً يوماً في نطاق هذه الأخلاق، وإن تطبيقنا لها قد ينتهكها أحيانا وإن الكثير مما تمارسه المرأة السويدية خارج نطاق الفرضيات أعلاه ربما هو بالضبط ما يدعو الإسلام إلى تطبيقه. قلت مراراً في هذا العمود إن الإسلام فكر وحضارة وتمدن ونمو وتطور وتفوق وسؤدد وازدهار لا بل سراج ونور يبدد الظلمات، وإن لم يكن كذلك لما دخلت الأمم فيه أفواجاً وأغلبيتها الساحقة طوعاً، كما في جنوب شرق آسيا مثلاً، حيث تقطن أغلبية المسلمين ولم تطأها أقدام جندي عربي مسلم. وأظن أن أغلبية القرّاء يتفقون معي أن السويد بلد الحضارة والتمدن والنمو والتطور والازدهار والسؤدد، لا بل في كثير من المناحي تشع كي يتبعها الآخرون. كيف وصلت السويد ــــ وهي وشقيقاتها الاسكندنافية ـــــ إلى مرتبة فائقة التطور تحسدها عليها الدنيا؟ قد لا يكون هناك جواب واحد لهذا السؤال وقد تكون هناك آراء متعدّدة ومتضاربة. ولكن لنقل لو أن السويد لم تفتح المجال أمام المرأة كي تتساوى مع الرجل، ولا سيما في شؤون التشغيل والعمل، أي بقيت حبيسة التقليد الذي يقول إن مكان المرأة البيت. لو حدث هذا لكانت السويد دولة متخلفة حتى الآن. والسبب واضح. في آخر إحصائية رسمية عن سوق العمل في السويد ظهر أن هناك نحو خمسة ملايين سويدي يعملون بين الأعمار 15 ــــ 72. وهذا يمثل أكثر من نصف السكان، تشكل نسبة النساء فيهم أكثر من 45 في المائة. وللتذكير فإن السكان هنا يعمرون ويتمتعون بصحة ممتازة تمكنهم من العمل بعد السبعين. وبالمناسبة هناك مشروع لجعل سن التقاعد 75 بدلا من 65 في السويد. والمرأة تعمل كي تديم الاقتصاد والرخاء، وتعمل في كل القطاعات. لو لم تكن تعمل لاضطرت السويد إلى استيراد العمالة الأجنبية وعندئذ ستكون الخسارة كبيرة. وهذا كان سيعني جيشاً من العاطلين قد يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة ــــ إن أخذنا وجود نحو نصف مليون عاطل في السويد ـــــ وكان سيعني تحويل مبالغ هائلة من العملة الصعبة خارج البلد، وكان سيعني زخماً شديداً على الخدمات العامة التي تقدمها الدولة وزيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي على البضائع المدعومة، وضغطاً هائلاً على السكن والتعليم وغيره. كم هي نسبة المرأة العاملة في دول الخليج العربية نسبة إلى مجمل القوى العاملة وكم تشكل نسبة العمالة المستوردة فيها ومتى سيتخذ أصحاب الشأن فيها قرارات حاسمة لتصحيح الخلل التركيبي في بنية الاقتصاد والمجتمع وكل ما يتعلق بحاضره ومستقبله؟
إنشرها