Author

تغيير الحرس النقدي

|
مع انتقال الزعامة في العديد من البنوك المركزية الآن أو اقتراب موعد انتقالها، فإن العديد من أولئك الذين كانوا مسؤولين جزئياً عن خلق الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت في عام 2008 -قبل اتخاذ تدابير قوية لمنع الأسوأ- ينصرف تفكيرهم إلى مشاركات مختلطة. والسؤال الرئيسي الآن يدور حول المدى الذي قد تؤثر به هذه المشاركات على سلوك خلفائهم. والواقع أن العديد من اللاعبين في الأسواق المالية يشعرون بالامتنان للتهاون التنظيمي الذي سمح لهم بجني أرباح هائلة قبل الأزمة، ولعمليات الإنقاذ السخية التي ساعدتهم في إعادة التمويل -والفوز بمكافآت ضخمة غالباً- على الرغم من أنهم كانوا السبب في دفع الاقتصاد العالمي إلى حافة الحراب. صحيح أن المال السهل ساعد في استعادة أسعار الأسهم، ولكنه ربما ساعد أيضاً في خلق فقاعات أصول جديدة. ومن ناحية أخرى، فإن الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول الأوروبية لا يزال منخفضاً بشكل ملحوظ عن مستويات ما قبل الأزمة. وفي الولايات المتحدة أصبح المواطنون أسوأ حالاً اليوم مقارنة بما مضى على الرغم من نمو الناتج المحلي الإجمالي، لأن مكاسب الدخل منذ ذلك الوقت كانت تذهب بالكامل تقريباً إلى أولئك في القمة. باختصار، نستطيع أن نقول: إن العديد من محافظي البنوك المركزية الذين خدموا في سنوات ما قبل الأزمة المُسكِرة لا بد أن يردوا على الكثير من التساؤلات. فقد تجاهلوا، انطلاقاً من إيمانهم المفرط بالأسواق المتحررة من القيود، العديد من الانتهاكات السافرة، بما في ذلك الإقراض الجشع، وإنكار وجود فقاعات واضحة. وبدلاً من هذا، ذهب محافظو البنوك المركزية إلى التركيز بشكل منفرد على استقرار الأسعار، على الرغم من أن التكاليف المترتبة على ارتفاع التضخم بعض الشيء كانت ستصبح ضئيلة للغاية مقارنة بالخراب الذي أحدثته التجاوزات المالية التي سمحوا بها، إن كانوا لم يشجعوا عليها في الأساس. وقد تكبد العالم ثمناً باهظاً بسبب افتقارهم إلى فهم المخاطر التي ينطوي عليها تحويل الديون إلى أوراق مالية، وعلى نطاق أوسع، فشلهم في التركيز على الروافع المالية ونظام الظل المصرفي. بطبيعة الحال، ليس كل محافظي البنوك المركزية يتحملون المسؤولية. فلم يكن من قبيل المصادفة أن تنجح بعض البلدان، مثل: أستراليا والبرازيل وكندا والصين والهند وتركيا في تجنب الأزمة المالية، فقد استفاد محافظو البنوك المركزية هناك من الخبرات -سواء خبراتهم أو خبرات آخرين- التي تفيد بأن الأسواق غير المقيدة ليست فعّالة دوماً أو قادرة على تنظيم نفسها بنفسها. ونظراً لكون الانقسامات بين المسؤولين حول أهمية التضخم والبطالة حقيقة واقعة لا ريب فيها، فإن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الناجح لا بد أن يكون قادراً أيضاً على العمل بشكل ناجح مع أشخاص يحملون وجهات نظر متباينة. ولكن الزعيم القادم لبنك الاحتياطي الفيدرالي لا بد أن يلتزم بضمان انخفاض معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى ما دون مستواه الحالي المرتفع إلى حد غير مقبول، ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى معدل البطالة الذي يبلغ 7 في المائة -أو حتى 6 في المائة- باعتباره أمراً لا مفر منه. ويزعم بعض الناس أن أكثر ما تحتاج إليه أمريكا الآن هو محافظ للبنك المركزي لديه ''خبرة'' مباشرة في التعامل مع الأزمات. ولكن الأمر المهم ليس فقط ''حضوره'' أثناء الأزمة، بل لا بد أن يكون قد أظهر القدرة على الحكم السليم في إدارة الأزمة. والواقع أن أداء أولئك في وزارة الخزانة الأمريكية -الذين كانوا مسؤولين عن إدارة أزمة شرق آسيا- كان بائساً، فقد حوَّلوا التباطؤ إلى ركود والركود إلى كساد. وكذا، لا نستطيع أن ننسب إلى المسؤولين عن إدارة أزمة 2008 الفضل في خلق حالة من التعافي القوي الشامل. إن المحاولات الخرقاء لإعادة هيكلة الرهن العقاري، والفشل في إعادة الائتمان إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وسوء إدارة عمليات إنقاذ البنوك، كل هذا كان موثقاً بشكل جديد، وكذلك العيوب الكبرى التي شابت آليات التكهن بمستويات الناتج والبطالة مع اتجاه الاقتصاد نحو السقوط الحر. والأمر الأكثر أهمية بالنسبة لمحافظ البنك المركزي الذي يتصدى لإدارة أزمة هو الالتزام بالتدابير الكفيلة بجعل اندلاع أزمة أخرى أقل احتمالاً. وعلى النقيض من هذا، فإن نهج عدم التدخل من شأنه أن يجعل اندلاع أزمة أخرى أمراً لا مفر منه. كانت جانيت يلين، وهي واحدة من كبار المتنافسين على خلافة برنانكي ونائبة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، من أفضل تلامذتي عندما كنت أدرس في جامعة ييل. وهي خبيرة اقتصادية عظيمة الذكاء والفطنة، وتمتلك قدرة كبيرة على تحقيق الإجماع، كما أثبتت همتها كرئيسة للمجلس الاقتصادي للرئيس، ورئيسة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، فضلاً عن دورها الحالي. نظراً للتعافي الاقتصادي الهش والحاجة إلى الاستمرارية في السياسة -فضلاً عن الحاجة إلى الثقة في زعامة بنك الاحتياطي الفيدرالي والتعاون الدولي القائم على الفهم المتبادل والاحترام- فإن ما تتسم به يلين من ثبات اليد هو على وجه التحديد ما تحتاج إليه عملية صنع السياسات في الولايات المتحدة. ومن المفترض أن يعين الرئيس باراك أوباما كبار المسؤولين استناداً إلى ''مشورة وموافقة'' مجلس الشيوخ الأمريكي. والواقع أن ما يقرب من ثلث أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين كتبوا لأوباما في دعم يلين. وينبغي له أن يستمع إلى مشورتهم.
إنشرها