Author

السرِّية تغذي حساب إبراء الذمة

|
هناك من يرغبون فعلا في إبراء ذممهم من أموال حصلوا عليها، ولا تخلو من شبهة التحريم أو القطع بأنها أموال محرمة يجب التخلص منها، وليس أمامهم طريق سوى إخراج هذه الأموال كلها وبعضها من حوزتهم، وبما لا يحرجهم أمام المجتمع أو يفتح تساؤلا حول سلوكهم ومصادر أموالهم، أو يؤدي إلى فتح تحقيق جنائي معهم، وقد كانت محاربة الفساد ولا تزال نهجا تبناه خادم الحرمين الشريفين ووجه بأن يتم فتح حساب خاص لإبراء ذمة كل شخص يريد إعادة أموال حصل عليها بطريق غير مشروع، بحيث تذهب هذه الأموال لأعمال الخير وتحت إشراف البنك السعودي للتسليف والادخار. لقد بلغت الأموال المودعة في حساب إبراء الذمة ما يقارب 300 مليون ريال خلال الأعوام الثمانية الماضية، وشهدت في عام 2012 نموا يقدر بـ 10 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه، وفي هذا دلالة واضحة على زيادة وعي المجتمع وفهم الرسالة التي يقوم بها حساب إبراء الذمة، وهي رسالة نبيلة تهدف إلى نشر ثقافة النزاهة وحفظ الذمم من كل ما يشوبها من شبهات مع تخصيص الأموال التي يتم إيداعها في حساب إبراء الذمة وصرفها بالكامل على برنامج القروض الاجتماعية لذوي الدخل المحدود، وهي برامج تستهدف تزويج المعسرين ومساعدة الأسر وترميم المنازل وغيرها من أعمال برنامج القروض الاجتماعية لذوي الدخل المحدود، مع إعادة تدوير تلك المبالغ على عدد كبير من المتقدمين للقروض. إن الفساد المالي والإداري من كبريات الآفات التي تعانيها الدول، لأنهما يتسببان في هدر الملايين التي من المقرر أن تذهب في مجال التنمية والرفع من كفاءة البلاد والأوطان بما يعود بالخير على الناس وعلى المرافق العامة، على الرغم من أن التعدي على المال العام وأكل أموال الناس بالباطل من الأفعال المحرمة شرعا وقانونا، بل المعاقب عليها في حالات كثيرة، منها جرائم الاختلاس من المال العام وجرائم الرشوة واستغلال النفوذ وإساءة استعمال السلطة وجميع صور التربح غير المشروع من الوظيفة العامة. ولا يقتصر إبراء الذمة على موظفي القطاع العام، بل إن المال الحرام أو المشتبه في شرعيته قد يكون مصدره أموالا خاصة أو ودائع أو تركات لم يتم تسليمها لأصحابها، وهي حالات متعددة لا يمكن حصرها، وهي جميعا تدخل تحت الغلول، إذ يجب أن يتم رد المال محل الاعتداء أو إخراجه والتصدق به، وللفقهاء رأيهم في الكيفية التي يجب أن يتم بها التخلص من المال غير المباح مع بقاء حساب إبراء الذمة متاحا لأصحاب الضمائر الحية لرد الأموال، بحيث يكون هناك أكثر من وسيلة أو طريقة لإبراء الذمم، فالأصل هو الرغبة في الخير ورد الأموال غير المستحقة، فالمنصب والمكانة لا يعطيان الفرد الحق في أن يأخذ من المال العام أو من المؤسسات الحكومية غير ما هو مخصص له بموجب النظام لأنه مال للجميع، ولأن مخالفة ذلك من أكل المال بالباطل، وأن الحساب على المال العام أولى وأشد من الحفاظ على الأموال الخاصة.
إنشرها