Author

الهوى الإخواني بتقية عقلية

|
كان مشهد الشيخ القرضاوي بعد تنحي مبارك تحت ضغط ثورة الشعب المصري وهو يخطب في ميدان التحرير في القاهرة بالغ الدلالة على الكيفية الانتهازية التي قفز فيها ''الإخوان المسلمون'' على سطح ما حدث، وإلا فإنهم أبداً لم يكونوا من صانعي هذه الثورة، بل ظلوا في حالة مراوغة طوال أيام الكر والفر مع سلطة مبارك، وحين رحل راحوا يمارسون بهلوانيتهم مع المجلس العسكري منتهزين هشاشة أجسام المكونات الحزبية وأطياف المعارضة الأخرى وحداثة وقلة خبرة الشباب في اللعبة السياسية. أمضى ''الإخوان المسلمون أكثر من عام وفاض الكيل حتى بعوام الناس من تهريجهم السياسي ومغالطاتهم وطغيان شهوتهم للاستئثار بالسلطة والتلاعب بالأنظمة والقوانين وتعطيل القضاء مع فشل ذريع في إدارة شؤون الدولة وإفلاس في الرؤية ونزق في الخطاب، وما ترتب على ذلك من فلتان أمني ومن شلل اقتصادي ومن تخبط في العلاقات الدولية تحكمها الأيديولوجيا وليس مصلحة مصر، الدولة الأكبر في المنظومة العربية، وأدى ذلك كله إلى غليان شعبي انتهى إلى عزل الرئيس محمد مرسي، وما تلاه من إصرار ''الإخوان'' على الاعتصام في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة وقيامهم بأعمال عنف وتعذيب وتهديد ووعيد واستغلال الأطفال والنساء دروعاً بشرية مع المزايدة على أنهم المستهدفون، والعزف على وتر الانقلاب العسكري وليس الانقلاب الشعبي بقامات أكثر من ثلاثين مليوناً! ما يسترعي الانتباه إزاء هذه الأزمة هو الأسلوب الذي تناولت فيه بعض الكتابات والآراء في دول الخليج، وجنوحها إلى المرافعة عن ''الإخوان'' بتقية عقلية تلح على الحاجة إلى (العقل) و(العقلانية) و(التعقل) في معالجة هذه الأزمة. لقد فجع ''الإخوان'' بانكشافهم أمام شعب مصر والعالم ولم تشفع لهم ثمانية عقود بشيء من الحصافة بقدر ما استمرأوا الخرافة والعنف وسدانة العودة بالتاريخ لما يستحيل أن يكون عليه، وكأنما جاءت هذه الأحداث لتقدم فضحاً لأرشيفهم المشين بما فيه من اغتيالات وعمالة ودسائس ودجل وتزوير واسترخاص لمصر والعروبة.. أرشيف كان بعيداً عن أذهان الكثيرين، فإذا به يثير بانكشافه فزعاً واشتمئزازاً تؤكده ممارساتهم الراهنة ما يضعنا مع هؤلاء المسكونين بالهوى الإخواني، المتسترين بالتقية العقلانية للترافع عن ''الإخوان'' أمام مفارقة عجيبة في لجوئهم إلى (عقل) هم في الغالب ممّن لا يثقون به ولا يولونه احتراماً، بل يعتبرونه محل شبهة واشتباه، فهو عندهم معيار باطل يرجم أصحابه بشطط تهم التكفير والعلمانية والليبرالية واليسار وبالمطلق فهو في نظرهم مصدر الضلال والفكر الهدام ولكنهم اليوم يستنجدون به لأنهم يدركون أننا في عصر العقل، وأن الخطاب اليوم هو خطاب عقلاني، وأن أحداً لن يأخذهم مأخذ الجد ما لم يحشروا العقل في انتهازية مرحلية كتفية لابد منها عسى ألا ينهار حلم دولة المرشد .. هذا الوهم الذي باعه زعماء ''الإخوان المسلمين'' لغوغائييهم وضللوهم فيه طويلاً إلا أنه لم يعد اليوم قادراً حتى على إقناع البسطاء فقد تبخر تحت حرارة وضوء شمس الواقع .. فهل يدرك هؤلاء (المتعاقلون) أنهم لن يخدعوا قرّاءهم أو مستمعيهم بقدر ما يخدعون أنفسهم فالعقل لا يعمل في هذا الاتجاه، بل ليس بوسع هذه التقية أن تنطلي إلا على من تصور أنها ستنطلي على سواه فقد مضى العهد الذي يؤخذ فيه الحديث عن دولة الخلافة مأخذ الجد وصار واضحاً أن ذلك ليس سوى زعم ووسيلة للإمساك برقاب البلاد والعباد، أسفرت عنه سنوات ''الصحوة'' التي كانت في الأساس صناعة ''الإخوان'' وفرخت التكفير والإرهاب .. فعلى مَن يقرأ هؤلاء (المتعاقلون) مزاميرهم؟ وقد قال التاريخ كلمته .. وحتماً الماضي لا يعود!
إنشرها