Author

«أبشر» ومطاعم البيك

|
دشنت الإمارات مشروع الحكومة الذكية. تلكم سادتي هي الحكومة ما بعد الإلكترونية. بعد أن كان المواطن يعاني صعوبات تعبئة النماذج، وإدخال الرقم السري، ويتجشم عناء الذهاب لتسلم رخصة القيادة أو الجواز أو أي وثيقة رسمية من أحد منافذ التوزيع المنتشرة في كل مكان تقريباً، أصبح من حقه أن يرتاح وتقوم الحكومة الذكية بتجهيز ما يحتاج إليه وتوصله إلى منزله. حالة تعتبر من الخيال لأي شخص شاهد مقطع المواطنين وهم يقفزون الحواجز المعدنية و''يتراكضون'' في الشوارع ويستخدمون عضلاتهم و''فتوتهم'' للوصول إلى صالة الجوازات، لتنفيذ أعمال لم يعد أحد ينفذها بهذا الشكل إلا في أدغال إفريقيا إن كان لديهم جوازات. أصدقكم أنني توقعت أن يكون المقطع ملفقا. لكنني صدقت عندما أخبرني صديقي - الذي يعمل في المركز الرئيس للبنك العربي الوطني الذي يبعد كيلو مترين عن موقع إدارة الجوازات – أنه شاهد العشرات من المواطنين وقد أوقفوا سياراتهم بعد البنك وأخذوا يركضون للحاق بركب قافزي الحواجز، وكأنهم في سباق ''العشاري''، أو يتسابقون للحصول على وجبة من مطعم ''البيك''. آخر أخبرني بأنه اضطر لدفع أكثر من 100 ألف ريال لتعديل وضع عمالته، ذلك أن المعقب الذي يعمل لديه لم يعد قادراً على إنجاز المعاملات، والوصول للموظفين، فاضطر أخونا إلى تكليف معقب آخر له علاقات داخل الإدارة، ليدفع له من 800 إلى 1000 ريال على كل عامل. لمن كان يدفعها؟ الله أعلم. يقف الناس ويحجزون مواقعهم من الساعة الثانية صباحاً، ومع ذلك لا ينجزون شيئاً. لاحظوا سادتي وسيداتي أن هذا بعد أن تم تمديد المهلة لأربعة أشهر. هذا دليل واضح على أن تمديد المهلة تم طلبه من الجوازات بسبب تدني كفاءة إنجاز الأعمال، وهو نتيجة العمل بأسلوب الحكومة التقليدية. إذا ما هو ''أبشر'' وما دوره؟ أظن أنه نظام تعبئة البيانات في الجهاز واستخراجها فقط. زيارة الإدارة ضرورة للجميع، وصور المستندات ما زالت قائمة وحمل الاستبيان وتمريره على الموظفين لا يزال على حاله، لكنني على أمل أن تنتهي هذه الإحباطات التي يتحملها المواطن كل يوم، ذات يوم. عندما يضطر المواطن لزيارة مكتب العمل ويتم تحويله للجوازات لإنجاز المعاملة، فهو يعاني التكلس الرسمي في أسوأ صوره. ما دام هناك علاقة وثيقة بين ما يتم في الجهتين، فمن المؤسف ألا يكون هناك ربط إلكتروني بينهما بحيث تنتهي الإجراءات بشكل متزامن. إن الدور الأهم للمسؤولين في كل القطاعات التي تخدم المواطن هو تقديم الخدمة بأفضل وأسرع وأسهل طريقة ممكنة. إن كان هناك أي شك لدى أي مسؤول في هذه الجهات في أن هذه هي مسؤوليته الأساس فعليه أن يراجع نفسه، ويعيد تنظيم أولوياته وأولويات موظفيه. ذلك أن الناس على دين ملوكها. إن كان المسؤول يعتقد أن تأخير المواطن والإساءة إليه، بل عدم احترامه حقا له، فعليه أن يثق بأن جميع موظفيه يسيرون على النهج والمبادئ نفسها. أذكر عندما تعدى أحد المسؤولين على موقف المعوقين، واستنكر عليه أحدهم باعتبار الموقف حقا له وليس تفضلاً من الإدارة. أذكر حينها أن الجندي الموجود في الموقف تجاوز باللفظ على المعوق. تجاوز أكبر مسؤول وتجاوز أصغر موظف، ليصبح شعار الإدارة أن المكان ملك لنا وليس لك أيها المعوق ''المواطن''. منظر المواطنين الذي أثار سخرية وتقزز واستغراب كل المشاهدين في تويتر ومواقع التواصل الأخرى، فرصة للمسؤول للعودة والتفكير في حل هذه المشكلة وبشكل عاجل. يجب أن يزيد المسؤولون من منافذ خدمة المواطنين ما دام رأسمالها هو جهاز حاسب آلي وربط بشبكة الحاسب في وزارة الداخلية. كما يمكن أن ينهي المسؤولون في الجهات المترابطة قضية التفرد، وإلزام المراجعين بالحضور الشخصي لدى كل إدارة. يتم هذا عن طريق توحيد الإجراءات والربط الإلكتروني، والتخلص من عقدة ''راجعنا''. على أن الانتقاد للجوازات لا يعني أنها الوحيدة في موضوع التعامل القديم مع المراجعين، وعدم الاهتمام بتسهيل الإجراءات، فالبيئة الإدارية في أغلبية الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة تعاني عدم الكفاءة، والتراخي، وقلة الاهتمام بالتطوير وإهمال الأخذ بأحدث أساليب الخدمة. يظهر ذلك جلياً في عدم قدرة البريد السعودي حتى اليوم على تطبيق نظام الترميز وإلزام الجميع بالعناوين المبنية على أسس علمية. ليس عيباً أن نتعلم من غيرنا، مسؤولو الإمارات كانوا يزورون المملكة بشكل مستمر عندما كان التنظيم الإداري وكفاءة الأداء لدينا أفضل. اليوم هم دون شك أكثر تقدماً وتميزاً في خدمة المواطنين في كل المجالات، خصوصاً الجوازات، وليس هناك ما يمنع أن نستفيد من هذا النجاح ونطبقه لدينا، فالحكمة ضالة المؤمن.
إنشرها