Author

التاجر «فلان»

|
التاجر ''فلان'' يملك 300 شاحنة، توفر له عائدات سنوية تصل إلى 90 مليون ريال. تستهلك هذه الشاحنات وقودا قيمته 2.5 مليون ريال سنويا. نعلم أن وقود السيارات في المملكة مدعوم من جانب الدولة. متوسط السعر العالمي للديزل مثلا هو 2.85 ريال للتر، بينما سعره في السوق المحلية 25 هللة. حين تبيع سلعة بأقل من عُشر قيمتها، فهذا يعني أنك تقدم الفارق بين السعرين كدعم للمشتري. بعبارة أخرى فإن التاجر ''فلان'' يحصل على دعم سنوي من بيت المال يزيد على 17.5 مليون ريال. نعرف طبعا أن التاجر ''فلان'' لا يدفع ضريبة دخل على ثروته، ولا ضريبة طرق مقابل إهلاك شاحناته للطرق، ولا ضريبة صحة مقابل تلويثها للهواء. حين أقرأ هذه الأرقام، أشعر أن أي مواطن مثلي يستحق الحصول على دعم مماثل. فأنا وبقية الـ 20 مليون سعودي، مثل ''التاجر فلان'' متساوون في حقوق المواطنة. كل منا يستحق 17.5 مليون ريال سنويا. ربما لا تستطيع الحكومة توزيع هذه المبالغ علينا جميعا لأننا لا نملك 300 شاحنة، أو لأنها لا تملك ما يكفي من المال. لكن هذا لا يحل المشكلة. فأمامنا صورة واضحة عن توزيع غير منصف لثروة البلد. مواطن واحد يستأثر بالملايين من أموال الدولة، لا لسبب إلا لأنه ثري، بينما ملايين المواطنين الآخرين لا يحصلون على القدر نفسه من المال العام، لأن آباءهم لم يورثوهم شاحنات أو أموالا تشتري شاحنات. ما الحل إذن؟ المجتمعات المتقدمة وجدت حلا في المبدأ العقلي الذي أقره الإسلام: ''من له الغنم فعليه الغرم''. وترجمة هذا الكلام بلغة تلك المجتمعات، أن من يحصل على أموال أكثر، فعليه أن يدفع ضرائب أكثر إلى بيت المال. مجتمعات أخرى قررت تغيير نظام الدعم من نظام المسطرة، المطبق عندنا، إلى نظام متعدد المستويات، حيث يذهب الدعم مباشرة إلى ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة، وليس للتاجر فلان الذي يكسب سنويا 90 مليون ريال. إذا لم نكن راغبين في زيادة الأجور خشية التضخم مثلا، فلنفكر في تطوير نظام مختلف لتوزيع الدعم الحكومي ــــ القائم فعلا ـــ بشكل صحيح، ننفقه مثلا في توسيع نطاق الخدمات العامة أو تحمل الدولة لاستقطاعات التأمين والتقاعد، أو تعديل نظام الرهن العقاري المنتظر، بتحميل جزء من الأقساط على الميزانية العامة، أو تقديم إعانة للأطفال وكبار السن. هذه خيارات مطبقة فعلا في دول عديدة. المهم في الموضوع كله أن مئات الملايين من المال العام تذهب الآن لمن لا يحتاج إليها أو لا يستحقها، بينما يتوجب توجيهها إلى من يحتاج إليها فعلا. فهذا ما نسميه بالتوزيع العادل للثروة الوطنية.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها