Author

الريال المعدني والخصوصية السعودية

|
يعود الواحد منا من السفر وجيوبه ملأى، وحقيبة سفره تدندن بالعملات المعدنية. لم أزر دولة لا تستخدم العملة المعدنية. ينتشر استخدام العملة المعدنية كوسيلة لضبط التعاملات المالية بين الزبون والمحال التجارية، وطريقة لسداد بعض الخدمات كتذاكر الحافلات والقطارات ومواقف العملة. وهنا لا بد أن أذكر أن الموضوع سيتركز على تلك العبارة التي يشمئز منها الكثير من الكتاب والمثقفين ألا وهي ''الخصوصية السعودية''. لدينا حالة متفردة في التعاملات النقدية التي لا يشاهدها الإنسان في أي مكان خارج حدودنا. نحن نستخدم ''العلكة'' كوسيلة لتصفية الحسابات المالية التي تقل عن ريال واحد، ونستخدم صناديق التبرع التي ابتكرتها الأسواق الكبرى لتخليصنا من قرقعة ودندنة الهللات التي تبقى لنا لدى محاسبي متاجر يفترض أنها هي التي تتصدق على الجمعيات الخيرية، بل لا تقدم ما يثبت أن المبلغ دخل حساب أحد آخر، إنها الخصوصية السعودية. لا توجد في المملكة خدمة قطارات أو نقل جماعي سوى ما يتكرم به ''مناحي'' وزملاؤه. حافلات مهترئة يستخدمها العمال الأجانب للوصول إلى أماكن معينة، تستخدم خطوط سير تبتدعها الحاجة، وهو ما يجب أن تراقبه الأمانات التي تنوي إدخال خدمة النقل الجماعي بدل أن تنشئ خدمة وخطوط سير لا يستفيد منها أحد. على هذا فليس هناك مكائن لبيع التذاكر كما هو حاصل في كل دول العالم، فلماذا نحتاج إلى عملة معدنية ما دام مناحي لا يقبل أقل من ريالين وترتفع التكلفة كلما كثرت المحطات. إن حدث ذلك التطور المذهل الذي ينتظره الجميع بدخول خدمة النقل العام، فالغالب أن تكون هناك تقنية متطورة تستخدم بطاقات الشحن كما هو منتشر في الدول ذات العملات المشابهة لقيمة عملتنا. تختفي في مطاراتنا وأسواقنا ومدارسنا وملاعبنا الرياضية وأماكن تجمعاتنا مكائن تستخدم العملة للحصول على المشروبات والطعام والخدمات والمواد ذات السعر المنخفض. بل إن أصحاب شركات المشروبات الغازية ضمنوا أن يهجر الناس مكائن بيع منتجاتهم، عندما رفعوا أسعار المنتجات بنسبة 50 في المائة في المتاجر، والضِعف في المكائن. تلك هي المكائن الوحيدة المنتشرة ولا تقبل سوى الريالين ومضاعفاتهما. يشتهر لدينا سلوك لا تعرفه دول العالم الأخرى، وهو إعطاء الأطفال وجباتهم المدرسية على شكل ''كاش''. ارتفعت قيمة الكاش الذي يحصل عليه الطفل من عشر هللات في سنين لا أذكر متى كانت إلى خمسة وعشرة ريالات، الدولة التي لا تقوم فيها الأم بإعداد فسحة الطفل بيدها، وتتركه تحت رحمة المقاصف التي لم تصل يوماً إلى مستوى هذه الثقة المفرطة. حتى مدارس الكبار كالثانويات تعتمد على مقاصف أشبه بالبقالات، وهذا يحرم الطالب من الوجبة المتوازنة التي تقدمها مطاعم المدارس التي يرتادها أمثالهم، بل إن التنظيم في المقاصف هو تنظيم أشبه بالحراج الذي يفوز فيه الأقوياء ويبقى الضعفاء في الانتظار. أما صرف بطاقات تغطي عددا معينا من الوجبات فذلك من ''الخطط المستقبلية''. تبقى قضية مواقف السيارات التي تستخدم العملة المعدنية خارج نطاق الاستيعاب. ذلك أننا لا نؤمن أصلاً بأهمية تخطيط المواقف أو السيطرة على حركة السيارات في شوارعنا، أذكر في سنين مضت تتجاوز العشرين أن بعض البلديات بدأت بمشاريع التنظيم هذه لكنها توقفت، لأسباب كثيرة يمكن أن تناقش وتحل لتعود عملية تنظيم المواقف في مواقع الازدحام. دار الجدل طويلاً بين الناس في مواقع التواصل الاجتماعي والجلسات والاستراحات عندما انتشر خبر قد يكون هدفه ''السبر''، يقول إن مؤسسة النقد تخطط لإلغاء الريال الورقي والاكتفاء بتداول الريال المعدني. تلك قضية تؤكد أن الريال فقد كماً كبيراً من قدرته الشرائية نتيجة التضخم، لكن سعره متوازن مع بقية العملات. فما الجديد الذي استدعى إلغاء العملة الورقية؟ لا جديد سوى أن الريال قد يكون مسكوكا بشكل مختلف عن شكله السابق الذي كان عبئاً على من يحمله. اعترض الكثيرون على أنهم سيضطرون لتحميل أطفالهم هذه الريالات عند الذهاب للمدارس، أو أن جيوبهم ستتحول إلى أكياس نقدية مثل تلك التي كانت في العصور الأولى، بل قال أحد الظرفاء إن اللحاق بالركعة في المسجد سيؤدي إلى إزعاج المصلين بسبب دندنة المعادن في جيوب الراكضين لإدراك الصلاة. لكن الخبر الذي أعاد التأكيد على أن الريال المعدني سيكون في الاستخدام مع الريال الورقي أزال الغمة، وضمن للعلكة بقاءها كوسيلة للوصل بين ريالين، وضمن أن تبقى الأم نائمة في الصباح ويأخذ أطفالها مصروفهم من على الطاولة القريبة من باب الخروج، وأبقى على حال مكائن المشروبات ودخل المقاصف المدرسية. وحتى يحين الاعتماد على البطاقات في كل شيء نشتريه أو نتداوله، سيبقى الوضع على ما هو عليه، وهي خصوصية سعودية أخرى.
إنشرها