Author

السماح لـ «الموظف الحكومي» بمزاولة التجارة

|
''أحضر برنتا من الأحوال يوضح مهنتك''! إنها العبارة الأولى التي تتلقاها مسامع كل ''متقاعد جديد'' يسعى لاستخراج سجل تجاري، فلا يمكن في السعودية أن يجمع الموظف أثناء خدمته في القطاع العام بين عمله ومزاولة التجارة، إذ ينص نظام الخدمة المدنية الذي صدر في عهد الملك خالد - رحمه الله - بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/49)، وتاريخ 10/7/1397هـ (27/6/1977م)، على مجموعة من الضوابط من ضمنها، ما حددته الفقرة (أ) من المادة (13) من وجوب أن يمتنع الموظف (الحكومي) عن الاشتغال بالتجارة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. والحقيقة أن هذا ''النص القانوني'' قد أسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تفشي ظاهرة التستر التجاري منذ 36 عاما، أي منذ صدور ذلك النظام، حيث يتكرر سيناريو ''التستر'' في السوق السعودية بصورة تضر بالاقتصاد الوطني مع تضافر الشخصيات (الأبطال) الثلاث: • موظف حكومي: فرد سعودي لا يستطيع نظاما أن يدير أي نشاط تجاري أو أن يصدر باسمه أي سجل تجاري. • زوجة الموظف الحكومي: ربة منزل لا يعارض النظام أن تصدر باسمها سجلا تجاريا، لكنها لو حاولت أن تدير المحل (النشاط التجاري) لواجهت عقبات من بعض أفراد المجتمع ورجال حسبته، رغم أن زوجة خير البشر، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها، كانت تاجرة، ولم تواجه أي مقاومة من مجتمعها. • العامل الوافد: عامل أجنبي لا يستطيع نظاما – كما هو الحال مع الموظف الحكومي- أن يدير نشاطا تجاريا أو أن يصدر باسمه سجلا تجاريا، لكنه يعمل بصورة متخفية، وباتفاق بينه وبين المالك الحقيقي (الموظف الحكومي) لإدارة المحل وتشغيله مقابل حصول المالك على مبلغ شهري مقطوع ربما يقل كثيرا عن الدخل الشهري للمحل. لقد غدا التستر التجاري في السعودية عمادا للاقتصاد الخفي underground economy، الذي يهدد اقتصادنا الوطني الرسمي، ويقدر حجمه (الاقتصاد الخفي) بنحو 17 في المائة من حجم الناتج المحلي الذي تجاوز تريليوني ريال سعودي عام 2011، بل إن أحد الاقتصاديين السعوديين أشار في نيسان (أبريل) الماضي ضمن فعاليات منتدى جدة التجاري 2013 إلى أن 97 في المائة من المنشآت الصغيرة في البلد تمارس التستر التجاري، موضحا أن حالات التستر التي ُكشف عنها بلغت 340 ألف حالة، لافتا الأنظار إلى أن إجمالي المبالغ المحوَّلة من العمالة الأجنبية في السعودية إلى الخارج، بلغ 670 مليار ريال خلال السنوات العشر الماضية. ولأن سوق العمل السعودية تشهد هذه الفترة عمليات تصحيح غير مسبوقة تعالج سنوات مضت من الخلل والإهمال، فإنني أقترح على الحكومة السعودية، ممثلة في وزارة الخدمة المدنية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة البلديات، المساهمة في إحداث تغيير جوهري في الاقتصاد السعودي من خلال تعديل نظام الخدمة المدنية وغيره من الأنظمة ليتم السماح للموظف الحكومي (المدني) بمزاولة التجارة ضمن مجموعة من الضوابط المقترحة على النحو التالي: • أن يتم السماح للموظف الحكومي (المدني) دون تحديد لمرتبته بمزاولة التجارة عند بلوغه سن الخمسين أو عندما يتبقى على تقاعده (العادي أو المبكر) خمس سنوات، أيهما أقرب. • أن يزاول الموظف الحكومي (المدني) نشاطه التجاري، بما لا يتعارض مع أوقات العمل الرسمي (خلال الفترة المسائية)، وأن لا تؤثر مزاولته للنشاط التجاري على عمله أو مواظبته في الحضور والانصراف (كثرة الغياب والاستئذان أو الحضور المتأخر للعمل أو الانصراف المبكر). • أن يزاول الموظف الحكومي (المدني) نشاطه التجاري دون تضارب مصالح، أي ألا يكون هناك منفعة يمكن أن تتحقق من عمله الحكومي لعمله التجاري منعا لشبهات الفساد. • ألا يكون الموظف الحكومي (المدني) من العاملين في إدارة المشتريات والمنافسات في جهة عمله، حرصا كذلك على عدم تضارب المصالح. ومن وجهة نظري، فإن فكرة السماح لـ ''الموظف الحكومي'' بمزاولة التجارة تترتب عليها جملة فوائد للمواطن بصورة خاصة، والاقتصاد الوطني بصورة عامة، منها: • تهيئة الموظف الحكومي (المدني) لمرحلة ما بعد التقاعد تهيئة اقتصادية ومهنية، بدلا من أن يتقاعد الموظف دون تخطيط كاف للمستقبل، فتضيق به الدنيا بحثا عن مصادر دخل إضافية ترفد معاشه اليسير. • تشجيع الموظفين الحكوميين على الإسراع بتقديم التقاعد إذا تأكدوا من جدوى العمل التجاري بالنسبة لهم، وبالتالي خروجهم من الخدمة المدنية وإحلالهم بالباحثين عن عمل. • إحياء وسعودة قطاع التجزئة بعد أن سيطرت عليه العمالة الوافدة لسنوات طويلة، وتحسين بيئة العمل في هذا القطاع لتجذب الشباب السعودي للعمل، فإذا كان صاحب المحل (السعودي) هو من يملكه ويديره حقا، فهذا يحفز مواطنيه من الشباب للعمل دون ''مضايقات إدارية'' من قبل العمالة الوافدة. • القضاء على عمليات التستر التجاري الذي أضرت باقتصادنا الوطني، وجذبت مطامع العمالة الوافدة التي دفعت بأموالنا إلى الخارج. وطالما أن شريحة كبيرة من السعوديين ناقشوا هذه الأيام في ''تويتر'' ومجالسهم مسألة (#الراتب_مايكفي_الحاجة)، فإنني أتمنى جديا النظر في إمكانية السماح للموظف الحكومي بمزاولة التجارة، فهذه فكرة لن يرهق تطبيقها الحكومة أو يكلف ''وزارة المالية'' ريالا واحدا.
إنشرها