Author

ديناميكية إنتاج الصخر الزيتي وتأثيرها في الأسواق العالمية

|
إن أسعار النفط الخام الأمريكي تتعافى من حالة الركود، حيث إن الهوة بينها وبين خام بحر الشمال ''برنت'' تقلصت لفترة وجيزة إلى ما دون 3.0 دولار للبرميل الواحد في بداية الشهر الحالي، وهذا يعتبر الأدنى في 30 شهرا. واحد من الدوافع الرئيسة التي دعمت أسعار الخام الأمريكي مؤقت؛ ذلك أن الطقس المضطرب الذي اجتاح مقاطعة ألبرتا الكندية أخيرا أدى إلى حدوث فيضانات كبيرة في المنطقة. مقاطعة ألبرتا المنتج الرئيس للنفط في كندا. الفيضانات التي اجتاحت المنطقة أدت إلى تسرب النفط من خط الأنابيب الذي أدى إلى وقف تدفق شحنات النفط، وبالتالي ضيق الخناق على إمدادات رئيسة إلى الولايات المتحدة. من المرجح جدا أن هذا أدى إلى تزايد الطلب على نفط خام غرب تكساس الوسيط المرجعي للتعويض عن العجز، حيث إن في ذروة عمليات إغلاق الأنبوب، توقف نحو مليون برميل في اليوم. إضافة إلى ذلك أن إعادة تشغيل مصفاة للنفط قرب ولاية شيكاغو، خفض من شحنات النفط الخام القادمة إلى منطقة كوشينج، حيث تبرم صفقات خام غرب تكساس الوسيط. لكن تزايد إمدادات النفط من موارد الصخر الزيتي التي تصل إلى مصافي التكرير الساحلية أدى إلى تعزيز العلاقة بين النفط الخام الأمريكي وأسواق النفط الأخرى، خصوصا أسواق بحر الشمال. أسعار النفط العالمية لم تستشعر بعد التأثير الكامل من ارتفاع إنتاج النفط من موارد الصخر الزيتي، لكن إذا ما حدث ذلك، فمن المرجح أن يساعد ذلك على استقرار الأسعار نسبيا. اقتصاديات الخام الأمريكي اعتادت أن تكون واضحة، حيث إن الخام الأمريكي القياسي ''غرب تكساس الوسيط'' كان يتداول تقليدا في السابق بفارق دولار إلى دولارين للبرميل أكثر من نظيره الأوروبي خام برنت بسبب تكاليف الشحن والفرق الطفيف في الجودة، ما كان يتيح للولايات المتحدة جذب مزيد من الإمدادات النفطية إلى شواطئها، حيث كانت تعتبر المحرك الرئيس للطلب العالمي على النفط. لكن نمو الإمدادات من مصادر الصخر الزيتي غيَّر كل شيء. أصبح خام غرب تكساس الوسيط معيارا مقيدا، ما يعكس بالدرجة الأساس عزلة أسواق النفط إلى حد كبير في منتصف القارة الأمريكية. لكن أسعار خام غرب تكساس الوسيط هي المفتاح لاستمرار الإنتاج من موارد الصخر الزيتي، ومن خلال ذلك هي المحرك لميزان العرض والطلب العالمي وحركة التجارة. المخزون النفطي في منطقة كوشينج بدأت تطغي عليه زيادة الإنتاج الكندي في عام 2009، ما جعل خام تسعيرة ''غرب تكساس الوسيط'' رهينة قيود البنية التحتية المزمنة منذ ذلك الحين. إن مشاريع خطوط الأنابيب التي يتم الحديث عنها لحل هذه المشكلة تعتبر غير كافية في حد ذاتها. حتى مشاريع خطوط الأنابيب العملاقة تحوم حول إنجازها الشكوك. حيث يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية ربطت الموافقة على خط الأنابيب المعروف كيستون إكس إل Keystone XL الذي سينقل عند إنجازه نحو 830 ألف برميل في اليوم من مقاطعة ألبرتا الكندية إلى الوسط الأمريكي، إلى اعتبارات بيئية، في الوقت نفسه تروج الإدارة أيضا تكهنات بأنها ستعمل على منع هذا المشروع في وقت لاحق من هذا العام. في هذا الجانب يقول الرئيس الأمريكي ''إن الآثار المترتبة من خط الأنابيب هذا في مناخنا ستكون في غاية الأهمية لتحديد إذا ما كان سيسمح لهذا المشروع بالمضي قدما''. مع محدودية خطوط الأنابيب، يتم نقل النفط الخام بواسطة السكك الحديدية إلى الأسواق، على سبيل المثال في نيسان (أبريل) الماضي تم نقل نحو 650 ألف برميل في اليوم من النفط الخفيف الحلو من حوض بآكن في ولاية داكوتا الشمالية بواسطة السكك الحديدية. من المتوقع أن يتم نقل كميات أكثر بهذه الطريقة، حيث يتم في الوقت الحالي بناء المزيد من عربات النقل. إن تكلفة نقل النفط الخام الخفيف الحلو إلى السواحل الأمريكية من منتصف القارة يحدد بصورة كبيرة الفرق بين خام غرب تكساس الوسيط وخام بحر الشمال برنت. ربما تراجع هذا الفرق بصورة حادة في أسواق النفط الآنية إلى ما دون 3.0 دولار للبرميل، لكن في عقود النفط الآجلة حتى عام 2019 لا يزال الفرق يراوح بين سبعة وثمانية دولارات للبرميل، ما يعكس التكاليف العالية للسكك الحديدية في مواجهة محدودية طاقات خطوط الأنابيب. مع ذلك، هناك دلائل تشير إلى إمكانية التوصل إلى حالة من التوازن بين الأسواق الآنية والعقود الآجلة، ما قد يكون له تبعات على أسواق النفط العالمية. في الوقت الحاضر خام حوض بآكن الذي يشحن بعربات السكك الحديدية إلى مصافي التكرير على ساحل المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة يتداول بأسعار مساوية إلى حد كبير إلى أسعار الخام النيجيري الخفيف الحلو الذي يعرف كووا آيبو (Qua Iboe). في حين أنه قبل ثمانية أشهر فقط كان خام حوض بآكن يتداول بنحو 20 دولارا للبرميل أقل من الخام النيجيري على السواحل الأمريكية. مع تزايد المنافسة بين نفط موارد الصخر الزيتي والنفط الخام المنقول بحرا في الأسواق الساحلية للولايات المتحدة، فإن ديناميكية إنتاج نفط موارد الصخر الزيتي ستلعب دورا أكبر في الأسعار العالمية للنفط. إن آبار الصخر الزيتي سريعة الإنتاج وفي الوقت نفسه سريعة التراجع في الإنتاج. حيث إن الإنتاج من آبار التشكيلات الرئيسية الثلاث للولايات المتحدة يتراجع بنحو 45 إلى 55 في المائة في السنة الأولى من الإنتاج. هذا يجعل مشاريع الصخر الزيتي حساسة جدا بصورة خاصة للتطورات في أسعار النفط. في حين أن مشاريع النفط التقليدية الكبيرة تستغرق وقتا طويلا لتطويرها، ومعدلات إنتاجها تكون عادة مستقرة نسبيا لسنوات طويلة، بل لعقود في أحيان كثيرة. لكن الحجم الأصغر لمشاريع الصخر الزيتي، والانخفاض السريع في معدلات الإنتاج، يوفر للشركات المطورة لهذه المشاريع إمكانية التكيف بسرعة مع تذبذب أسعار النفط. ارتفاع الأسعار سيشجع المزيد من عمليات الحفر، مثلما انخفاض الأسعار سيضع قيودا على عمليات الحفر والتطوير. سيعمل هذا فقط على تخفيق التقلبات في أسواق النفط العالمية. إن تكاليف إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة لن تحدد الأسعار الهامشية للنفط الخام، بل منتجو النفط في منطقة الخليج العربي الذين يتمتعون باحتياطيات كبيرة منخفضة التكاليف سيحققون التوازن في الأسواق العالمية للنفط. لكن تكاليف الصخر الزيتي قد يمكن أن تكون لها دور في تراوح أسعار النفط في مدى معين لأن معدلات نمو الإنتاج يمكن زيادتها صعودا وهبوطا بسرعة نسبيا.
إنشرها