Author

مرحباً بالنفط الصخري

|
يسمونها ''ثورة النفط الصخري''، ونحن نسميها ''زوبعة النفط الصخري''. فهناك من يسرفون في وصف هذا المخلوق الجديد، وما هو بجديد. فهو مصدر من مصادر الطاقة المعروف منذ زمن بعيد. ولم يكن قد حان وقت إنتاجه حتى بلغ سعر برميل النفط المائة دولار فما فوق، لأن تكلفة إنتاجه في أمريكا نفسها تفوق تكلفة برميل النفط التقليدي في الشرق الأوسط بعشرة أضعاف. ومن غير المحتمل أن يحدث تحسن ذات قيمة في التكلفة، بسبب تدنِّي كمية إنتاجه وتزايد صعوبة استخراجه مع التوجه الحالي إلى استنزاف القسم الأسهل منه. أمَّا خارج الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تكون تكلفة إنتاج النفط الصخري في معظم الدول الأخرى ضعف التكلفة الأمريكية، نظراً لأن معظم الشركات التي تقوم بعمليات الحفر والتكسير الهيدروليكي هي أمريكية المنشأ والمسكن. ونود أن نذكِّر القارئ الكريم أنه عندما يرتفع سعر النفط إلى مستويات قياسية جديدة، سيضطر المجتمع الدولي إلى استخدام مصادر جديدة لم تكن اقتصادية من قبل، مثل الصخر النفطي. وكان من الممكن أن تمر هذه الفرقعة الإعلامية بسلام، لولا أن البعض من المهتمين بشؤون مصادر الطاقة أسرفوا قليلاً في تفاؤلهم وتوقعاتهم. ومنهم منْ ظنّ أن السعوديين بدأت ترتعد فرائصهم - حسب زعمهم - خوفاً وهلعاً من ثورة النفط الصخري في أمريكا. وهم حتماً لا يدركون أن أي إضافة إلى الإنتاج النفطي الحالي من خارج منطقتنا نعمة وليس نقمة بالنسبة لنا. ومن الواضح أن أصحاب تلك الآراء لم يستوعبوا أن كمية كبيرة من إنتاجنا في الوقت الحاضر تفيض عن حاجتنا الضرورية، وأن إنتاجنا تضحية منا في سبيل كبح جماح الأسعار من أجل المصلحة العامة، وهو ما سيضاعف استنزاف ثروتنا الناضبة. في الوقت نفسه، نحن لا نقلل من أهمية إنتاج النفط الصخري، فهو إضافة طاقوية مهمة بالنسبة للاستهلاك الأمريكي، الذي فقد نسبة كبيرة من إنتاجه النفطي خلال العقود الماضية. وقد أسهم إلى حد كبير في إنعاش الاقتصاد المحلي في مناطق الإنتاج. وكان من المفترض أن إنتاج النفط الصخري الذي يقارب كمية إنتاج حقل خريص في السعودية وبمعدل يومي لا يتعدى عشرات البراميل للبئر الواحدة، ألا يخرج تأثيره الدعائي والإعلامي عن حدود الولايات المتحدة الأمريكية. فنحن أدخلنا في منظومة الإنتاج عمالقة حقول جديدة، مثل: شيبة، وخريص، ومنيفة، خلال عشر سنوات فقط، وبإنتاج يقارب ثلاثة ملايين برميل في اليوم، دون أن نثير أي ضجة إعلامية. وما يزيد من صعوبة إنتاج النفط الصخري، كون بئر الإنتاج لا تعيش أكثر من سنتين قبل أن تتحول إلى إنتاج غير اقتصادي. وهذا يتطلب إعادة عملية التكسير باهظة التكاليف أو حفر آبار جديدة. لذلك فإن مناطق الإنتاج هناك تعج بمئات الحفارات التي لا تتوقف عن العمل على مدار الساعة من أجل الحفاظ على مستوى الإنتاج. وهو ما يزيد من عملية التلوث البيئي الذي قد يهدد بوقف إنتاج النفط والغاز الصخري. وهناك دول أوروبية تعمل على إصدار قوانين تحظر عملية إنتاج النفط والغاز الصخري على أراضيها خوفاً من التلوث البيئي. وقد أوضحنا في مقالات سابقة طبيعة إنتاج النفط الصخري والاختلاف الكبير بينه وبين إنتاج النفط التقليدي. ويكفي أن نعلم أن العمر الاقتصادي لبئر النفط التقليدية وكمية الإنتاج يزيدان 20 ضعفاً على عمر وكمية إنتاج بئر النفط الصخري. ودعونا نستمع إلى ما يقوله أحد المنظِّرين للنفط الصخري، وهو البروفيسور ليوناردو موقري، من جامعة هارفارد. ففي دراسة له نشرت في حزيران (يونيو) 2013، بعنوان ''ثورة النفط الصخري''، http://belfercenter.ksg.harvard.edu/publication/23193/us_shale_oil_boom.html?breadcrumb=%2Fpublication%2F22144%2Foil. تنبأ موقري أن ينمو إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري في خلال بضع سنوات من الإنتاج الحالي (تقريباً مليون و200 ألف برميل) إلى خمسة ملايين برميل في اليوم! وهذا كما ذكر، يتطلب زيادة آبار الإنتاج من العشرة آلاف الحالية إلى 100 ألف بئر خلال هذه الفترة القصيرة. وهو أمر غير واقعي على الإطلاق. وأكاد أجزم أن عدد الآبار التي تم حفرها تزيد كثيراً على عشرة آلاف. ما يعني الحاجة إلى حفر أكثر بكثير من 90 ألف بئر للوصول إلى خمسة ملايين برميل. لكن هناك من المحللين غير المتخصصين من أخذ كلام موقري على مَحمل الجدِّ وتصوَّر أن في ذلك تهديداً لمستقبل إنتاجنا. وهكذا، فمعظم ما يقال عن ثورة النفط الصخري الأمريكي ما هو إلا تهويل واستخفاف بالعقول، من أجل الدعاية لأسهم الشركات المنتِجة. وقد ذكر الدكتور موقري أن عدد الشركات التي تقوم بإنتاج النفط الصخري في أمريكا بلغت 100 شركة، وهو عدد كبير بكل المقاييس، إذا علمنا أن مجموع الإنتاج يقارب إنتاجا واحدا فقط من حقولنا المتوسطة، وهو حقل خريص. ومن شطحات دراسة الدكتور موقري قوله أيضا: ''إنه باستطاعة الولايات المتحدة أن يصل إنتاجها اليومي في عام 2017 إلى 16 مليوناً من السوائل النفطية، وهي تقريباً ضعف كمية الإنتاج الحالية. وهذا ما يقلل من أهمية الدراسات غير الواقعية التي يقومون بها وتلتقطها وسائل الإعلام دون تمحيص لمحتواها أو تقدير لفرص قبولها. وأعتقد أن دراسة في هذا المستوى لا تُعطي صورة حقيقية عن مستقبل النفط الصخري. ونحن نخشى أن تكون نتائج مثل هذه الدراسات مدفوعة الثمن تُعبِّر عما تريده الجهة الممولة. وفي اعتقادي، أن التكلفة الحقيقية لإنتاج النفط الصخري الأمريكي ليست عند المستوى المتداوَل، الذي يراوح بين 60 و70 دولاراً للبرميل. فمن المحتمل أنها أعلى بكثير من هذه القيمة. والدليل أن بعض شركات الإنتاج التي تصرف المليارات على عملياتها تعاني حالياً نقصاً حاداً في السيولة المالية. أضف إلى ذلك أن الوقت لا يزال مبكراً، بعد بضع سنوات فقط من بدء الإنتاج، لتقييم المردود الفعلي على الاستثمار. وذكرنا في أكثر من مناسبة، أن النفط الصخري الأمريكي لا يزعجنا، بل يجب أن نرحب بأي مصدر جديد يُضيف إلى الإنتاج العالمي، سواء من المصادر التقليدية وغير التقليدية المعروفة أو من المصادر المتجددة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية. وهذه حقيقة يجد الكثيرون صعوبة في هضمها. فثروتنا النفطية المحدودة مهددة بالنضوب المبكر إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه اليوم من استنزاف كبير بسبب نقص الإمدادات في السوق النفطية بالنسبة للطلب العالمي.
إنشرها