Author

الخطاب الراديكالي

|
الراديكالية تعني العودة إلى الأصول والجذور والتمسك بها والتصرف أو التكلم وفقها حسب معطيات مذهبية متصلبة في معتقداتها السياسية. قد تكون "الفاشية" و"النازية" و"الإخوان المسلمين" من أهم الحركات الراديكالية التي نشأت في وقت واحد تقريباً خلال القرن الماضي. انتهز موسوليني عدم قدرة الحكومة الإيطالية على مواجهة الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية اللتين واجهتهما إيطاليا عقب الحرب العالمية الأولى، فأسس الحزب الفاشي عام 1922 بصورتيه السياسية والاقتصادية. استغل موسولوني غضب عمال المصانع وانتظر إلى أن استولوا على بعض المصانع، ما أدى إلى شل الاقتصاد الإيطالي، فانقض بشراسة على الحكم تحت مبرر "إعادة النظام إلى نصابه". لم تكن "الفاشية" حركة ديمقراطية لأنها تمت عن طريق البطش والقوة، والدليل أن موسوليني وصف مبادئ "الفاشية" بأن إرادة الشعب ليست الوسيلة للحكم وإنما القوة هي الوسيلة التي تفرض القانون. الحركة الراديكالية الثانية بدأت عندما تسلم أدولف هتلر بطاقة بريدية تخبره بأنه قد تم قبوله في حزب العمل الاشتراكي الألماني. كما هو الوضع في تأسيس "الفاشية"، وجد هتلر وشركاؤه المنتمون للفكر العمالي الألماني ضرورة ملحة لتأسيس حزب يعمل على اتحاد العمال. نادى الحزب النازي في انتخابات 12 كانون الأول (ديسمبر) 1929 بالتنظيم والعدالة، وبالتالي تمكن من تسلق البرلمان الألماني بالأغلبية. ورغم أن الحكومة النازية وعدت الشعب بتطوير الدولة والازدهار الاقتصادي، خاصة توفير فرص العمل، إلا أنها في نهاية الأمر ركزت على الإنفاق العسكري الثقيل والعنف والتشدد. الحركة الراديكالية الثالثة هي جماعة الإخوان المسلمين. أسس حسن البنا الجماعة عام 1928 ووصف أهدافها بأنها "دينية إصلاحية شاملة تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته"، ولكنها في الحقيقة ربما أكبر حركة معارضة سياسية أحادية الفكر في الدول العربية. كما هو الحال في الحركات الراديكالية الأخرى، سعت جماعة الإخوان لإحداث تغيرات متطرفة في الفكر والعادات السائدة والأحوال والمؤسسات. قد يكون الخطأ الكبير لجماعة الإخوان منذ نشأتها إضافة للعنف والتشدد هو مطالبة السلطة التنفيذية بعرض جميع القرارات التي ستتخذها الدولة على مكتب الإرشاد لمراجعتها والموافقة عليها قبل صدورها رسمياً. العامل المشترك بين قادة الحركات الراديكالية الثلاث الآنفة الذكر ــــ بجانب العنف والنرجسية والفكر الأحادي المتشدد ــــ هو خطاباتهم الدموية التي دعت للتفرقة والاقتتال والعنف. ليس هذا وحسب، بل إن نهايتهم كانت كلها دموية؛ موسوليني تم إعدامه، هتلر انتحر، والبنا تم اغتياله.
إنشرها