Author

إما أن تكون مع الوطن وإلا فأنت ضده

|
الحوار الدائر بين المثقفين بمختلف انتماءاتهم المذهبية والثقافية حول الصراع في سورية وتدخل إيران وحزب الله وطغيان التحزب والاصطفاف الطائفي يفتقد الموضوعية. وقد يكون مقال الزميل الدكتور توفيق السيف ''كن طائفيا أو كن ما شئت.. لكن لا تضحي بوطنك'' (جريدة الاقتصادية، 25 يونيو 2013 العدد 7197) ردا على مقال جمال خاشقجي، مثالا للتشنج الطائفي، وهو أمر مستغرب على شخصية مثقفة يفترض أو يتوقع أن يكون طرحه موضوعيا وحياديا، والأهم يأتي في سياق المصلحة الوطنية على الأقل متسقا مع الموقف الرسمي للدولة. الغريب في مقال الدكتور السيف أن طرحه كان دفاعيا وردة فعل عاطفية لم يحظ بعمق التحليل الموضوعي. لقد كان واضحا أن الدكتور السيف وظف مقاله ليثبت أنه ضد الثورة السورية أو كما يسميهم الجماعات المسلحة! وبالتالي لا يرى تناقضا في أن يكون في صف من يريدون إخمادها وفي الوقت ذاته مع الوطن! ولإقناعنا بصحة وجهة نظره وتخطئة من يرى دعم المقاومة السورية قدم الجهاد الأفغاني كمثال، باختزاله تاريخا وجغرافيا وإخراجه من سياقه ومبرراته في فترة كان الاتحاد السوفياتي يمثل تهديدا للمنطقة. ويقفز السيف على جميع الأحداث التي مرت وتمر بها المنطقة وكأنه لم يعلم أن الثورة الإيرانية بنفسها الطائفي النتن والعدائي ألبت بعض أبناء الطائفة الشيعية وانساقوا في ركبها وأصبحت تمثل للكثيرين منهم المرجعية السياسية، ويكفي شاهدا على ذلك عدم استنكافهم من التصريح بذلك ورفع صور الخميني وغيره من القيادات السياسية الإيرانية في مسيراتهم وفي مجالسهم حتى مكاتبهم، وصارت تسيرهم المرجعيات الإيرانية ليس في أمور الدين، لكن في التوجهات السياسية وإخراجهم عن المشترك الوطني، وهو ما أفضى إلى تبني عمليات إرهابية وتهديد للأمن الوطني السعودي. الحقيقة الواضحة أن إيران لها تأثير قوي في الكثيرين من المواطنين الشيعة، لذا لا انفكاك من الربط بين سياسة إيران التوسعية ونهجها في تصدير الثورة واستقطاب قلة من المواطنين لمراكز تدريب عسكرية وتثقيفية، وما يحدث في القطيف والعوامية من شغب وتصرفات غوغائية وأعمال إرهابية. وإذا كانت إيران المؤثر في الرأي العام الشيعي كان لا بد من إدراك الصورة الأكبر، وكيف أن الأحداث الكبيرة في المنطقة تعزز النفوذ الاستراتيجي لإيران بطريقة تضر بالمصلحة الوطنية، فاحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة بدعم وبمعاونة من إيران تهديد للأمن الوطني، وكذلك تدخل حزب الله وإيران في سورية لدعم نظام الأسد الإجرامي بنفس طائفي وممارسة القتل والتدمير الوحشي ضد المواطنين السوريين الذي سلبت حقوقهم يأتي في سياق تمدد النفوذ الإيراني. فضلا عن كل ما ذكر يتحدث الدكتور السيف وكأنه لا يدري أن هناك بعضا ممن ينتمون للمذهب الشيعي يسب ويشتم رموز أهل السنة، ويحرض على الكراهية يصل حد الاعتداء على من يخالفهم المذهب بالقتل كجزء من المعتقد، وهو ما تفعله إيران وحزب الله على الأرض السورية. في ظل هذه المعطيات كان الجميع ينتظر من المثقفين الشيعة من أمثال الدكتور السيف أن يتبنوا موقفا واضحا جليا ضد ما ترتكبه إيران وحزب الله من جرائم في سورية وتداعياته على المنطقة والوطن، فالقضية تتعلق بالأمن الوطني ببعدها الجغرافي السياسي وكينونتنا واستقرارنا وإيماننا بالمشترك والمصير الواحد والثوابت الوطنية، وبالتالي ليس هناك مساحة للخيار ''إما أن تكون مع الوطن وإلا فأنت ضده''. الحديث هنا عن المشترك الوطني المقدس والعقد الاجتماعي، وأن أي حديث خارجه ويتعارض معه هو اعتداء على حرمة الوطن. وتتطلب الأوقات العصيبة والتحديات الكبير المحدقة بنا جميعا بمختلف انتماءاتنا المذهبية والثقافية أن نتسامى فوقها سعيا لتعزيز اللحمة الوطنية، لا أن نبحث عن مبررات للخروج عن الصف وتأكيد الاصطفاف الطائفي تحت شعار حرية التعبير ومشروعية الاختلاف أو توظيف أحداث سابقة وتطويعها لذلك الغرض. إن الموقف من القضية السورية هو في واقع الأمر تحديد للموقف تجاه إيران وحزب الله بعد أن أضحى جليا من الأفعال والتصريحات أنهما ضد الوطن ويهددان أمنه واستقراره. وهذا ما يجعل الأمر لا يحتمل الخيار، فإيران وحزب الله أعداء للوطن، ولا بد منا جميعا الوقوف أمام هذا المد الإيراني قبل أن يلتهم سورية كما التهم العراق. هنا فقط يتبين من يتسامى فوق الانتماء الطائفي ويقدم الوطن أو يسقط في وحل الطائفية. إن الاختلاف على ما يحقق المصلحة والإجماع والتوافق الوطني تهديد للسلم الأهلي، خاصة إذا كان الاختلاف سببه تحزب عاطفي لفئة أو طائفة. إن قدرنا أن نعيش في السفينة نفسها ولا يمكن لسفينة الوطن أن تبحر دون أن نجدف معا وفي اتجاه واحد من أجل الوطن. من أجل ذلك ''إما أن تكون مع الوطن وإلا فأنت ضده!''.
إنشرها