Author

بين فنادق أوروبا وخنادق سورية

|
أذكر العبارة الشهيرة التي أطلقها أحد أعضاء المجلس الوطني السوري لأول مرة ''انتهى حديث الفنادق وبدأ حديث الخنادق''، معلنًا تحول الثورة السورية من السلمية إلى الدفاع المشروع عن الحياة. لقد أجرم النظام في حق المواطن في كل شبر من أرض سورية. وكان لا بد من ثورة تغير الوضع الفاسد القائم، لكن أحدًا لم يتصور أن يكون التعلق بالسلطة قاتلًا ومغتصبًا وملحدًا وهادمًا لكل قواعد الإنسانية والحيوانية. تمسك مجرمو النظام الحاكم في دمشق بالسلطة بشكل لا يمكن تفسيره، ولا يمكن أن يتقبله عقل بشر. يقف بشار اليوم على جماجم أكثر من 100 ألف شهيد سوري سقطوا في مغامرته الإجرامية للتمسك بالحكم. توقع العالم أجمع أن يكون في قلب هذا النظام ذرة من حب الوطن أو حب المواطن أو الإيمان بحق الآخر بالحياة والعيش بسلام فقط. لم يكن أحد يريد من هذا النظام أن يحول الأنهار عسلًا، أو يقدم للمواطن قطعة خبز دون عمل وكد وجهد. ما كان الناس يريدون من هذا النظام سوى أن يؤمن بحق الآخر في العيش. العيش فقط يا سادة. حرم بشار وزمرته الناس من هذا الحق، بل قتلوا الطفل أمام أمه، وبقروا بطن المرأة الحامل وأخرجوا جنينها وهي لم تلفظ أنفاسها في تحد ''خسيس'' بين شخصين ''خسيسين'' على جنس المولود. قُتل رجل رميًا بـ ''البلوك'' الأسمنتي على رأسه عدة مرات ليموت ألف مرة، ويحذر رامي الصخر على رأس الشهيد من يحذو حذوه بأن هذا مآله. لا حق لك في الكلام، ولا حق لك في السير في الشارع، ولا حق لك في الصلاة، ولا حق لك في قراءة القرآن، ولا حق لك في أن تأكل أو تشرب إلا إذا كنت مناصرًا لآلة القتل الفاسقة الفاسدة. فمن بربكم يصبر ويقاتل ويستمر في ثورته بقوة تزداد كل يوم، سوى إنسان تساوت عنده خيارات الموت والحياة. بل قد يكون الموت أجلب للجنة، إذا كان في سبيل الله جهادًا لهذه الطغمة الفاسدة التي تحل الخمر وتحرم الصلاة، وتجيز البغاء وتقتل الأطفال أمام أهلهم لتدفعهم إلى فساد العيش. وصل جهاد الثورة السورية أوجه عندما تمكن المجاهدون من تحرير القواعد الجوية ومواقع الدفاع الجوي، وبدأوا يضربون النظام في مواقع توجعه. وقتها توقف وزير الإعلام السوري الفذ عن التصريحات. تخبط رؤساؤه، وبدأوا يقتلون كل من يشكون فيه، أظن الواحد منهم قد يقتل ابنه ليبقى. وصل القتل والتصفية إلى شيخ كان يناصر النظام، حتى اكتشف أن المسار المنتصر هو مسار الضعفاء والفقراء الذين يقفون في وجه الدبابة ويتلقون البراميل المتفجرة، وتطلق عليهم الغازات السامة، التي شاهدها كل العالم إلا عيون الرؤساء الذين كانوا ينتظرون لحظة مناسبة للتصرف. اللحظة التي يكون فيها السوريون في حال المقعدين الذين لا يمكن أن تقوم لهم قائمة لعقود. بدأ النظام يتهاوى، وشعرت إيران بحرج الموقف، فوجهت عملاءها بأن يحتلوا سورية، ويقفوا في صف نظام كان أكبر أعدائهم في لحظة من اللحظات. وجهت عميلها في لبنان بأن يرسل مرتزقته الذين جابوا شوارع بيروت في 2009 وقتلوا وجرحوا وأحرقوا، ليفعلوا الشيء نفسه في القصير. هم رجال يغذيهم حسن الكراهية، ويدربهم على القتل باسمه وبناء على أمره. أقوام يصعب أن تسميهم بشرًا؛ لأنهم أول ما دخلوا كانوا يحملون سواطيرهم، ويقومون بتقطيع أجساد النساء والأطفال والشيوخ بلا رحمة أو فروسية أو منهج محترم. ساهم هؤلاء مع عملاء وعسكر روسيا في استجلاب بعض الأمل لبشار. لكن ما لم يحسب أحد حسابه هو الأمة الإسلامية السنية الهادرة، التي تؤمن بالدفاع عن كرامة وعفة وحياة النساء والأطفال والشيوخ الذين وقعوا تحت سطوة روافض يرون في قتلهم تقربًا إلى الله ـــ سبحانه وتعالى، لكن الله ورسوله وآل البيت منهم براء. اجتمع 500 من علماء الأمة الإسلامية، وبعيدًا عن السياسة والسياسيين قرر هؤلاء أن الجهاد في سورية هو جهاد دفع، وهو واجب عيني على كل سوري، وأن جهاد المسلمين في كل مكان دعما لإخوانهم في سورية هو واجب كفاية بالنفس والمال والسلاح. فيا لله كيف استطاع هؤلاء المجموعة أن يغيروا مجرى الأحداث. لم يمر على هذا الإعلان أكثر من يوم واحد حتى اكتشفت الولايات المتحدة أن بشار يستخدم غاز السارين، وأعلنت استعدادها لتسليح المعارضة، وكذلك فعلت فرنسا وبريطانيا. استمر الزخم، فقطعت مصر علاقاتها مع سورية في مشهد هو أقرب لمشاهد الجهاد المقدس. إنها الروح الإسلامية التي آن لها أن تظهر وتعيد الحياة لقيم وأخلاقيات الإسلام التي حفظها الصحابة بعد رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وفتحوا بها العالم كله، مُرَحَّبًا بهم. ظهر المنافقون بعد هذه الفتوى كما هو ديدنهم في كل التاريخ ليثبطوا ويفلسفوا ويؤطروا ويناهضوا ويفندوا ويقارنوا، ناسين أنه لو كان لواحد منهم طفل قتل أو أب سجن أو أم ثكلت أو أخت اغتصبت لكان في مقدمة المحاربين. ثم إن بعض دعاة الأمة شاركوا بالخطب والمواعظ والدعوات للجهاد عن سورية. وظهرت خلافات كثيرة بين الناس حول سلوك العلماء والدعاة في مثل هذا الوقت. انتقد البعض سفر المشايخ إلى دول الغرب أو تركيا، وعدم وقوفهم مع الشعب السوري في معاناته. خصوصًا أن بعضهم كانوا في تركيا، وسجلوا مشاهد وبرامج دعوية، ولم يحاول أي منهم أن يدخل الشمال السوري، ويقدم بعض الخطب أو الدعم للمجاهدين هناك. استخدم البعض حضور أعضاء من الكونجرس الأمريكي، وغيرهم من السياسيين والفنانين الداعم إلى الشمال السوري، ليعيِّروا به دعاتنا وعلماءنا. تمنيت حينها أن يكتفي من لا يشارك في العمل الدعوي أو الحملة الجهادية من العلماء بالابتعاد عن تصوير سفره ولقاءاته في أوروبا حتى تتوقف حملة التشهير والإساءة للإسلام الذي يمثلونه.
إنشرها