Author

المشروع الغبي

|
شعر أستاذ الاقتصاد، البنجلادشي، محمد يونس، بضيق شديد عندما افتتح بنك جيرامين "بنك الفقراء"، عام 1979؛ لمنح الفقراء في بلاده قروضا ميسرة تمنحهم القدرة على افتتاح مشاريع صغيرة تؤمّن لهم حياة كريمة. كان مصدر كدره أن زملاءه في جامعة شيتاجونج، التي كان يترأس قسم الاقتصاد فيها عام 1972 تخلوا عن مساندته معتقدين أن مشروعه لن يكتب له النجاح كون القروض التي يقدمها بنكه لا تعتمد على ضمانات كافية مما يهدد استدامتها. حاول إقناعهم بشتى الطرق أن هذا المشروع خيري في المقام الأول ويتطلب جلدا وصبرا وتضحية حتى ينمو ويكبر ويحظى بدعم أكبر من رجال الأعمال لكن دون جدوى. أصر زملاؤه على العزوف عن المشاركة في هذا المشروع. كتب له زميله: "بروفيسور محمد. علمتنا ونحن طلابك ألا نخوض تجربة لا تأتي بمردود ملموس. أرى أن مشروعك غير مجد مع الأسف. ستهدر جهدك ووقتك واسمك". قرر يونس أن يستمر مدفوعا بإيمانه بالفكرة ودراسته لأبعادها جيدا والنجاح الذي تصفحه في القروض المبكرة التي منحها بنكه. شاهد كيف حولت سيدة منزلها الصغير إلى مركز تدريب، وكيف استطاع مهندس شاب أن يحول ورشته الصغيرة لإصلاح الساعات إلى وكالة كبيرة لساعات يابانية تدر أرباحا كبيرة إثر قرض بنكه. يقول: "كنت مؤمنا بالمشروع. أحببته. وكنت أدري أن هذا الحب لن يخذلني". من يحب لا يخسر. يونس نجح في التسويق للبنك وحشد دعما كبيرا من مواطنيه وغير مواطنيه. دمج شغفه بالمشروع بوعيه الاقتصادي فأسفر عن نجاح كبير. يتذكر يونس: "أطلق بعض الاقتصاديين في بلادي على بنك "جرامين" لقب البنك الغبي، مستشهدين بأنه لو كان مثمرا لسبقني إليه الغرب". حزن يونس كثيرا جراء النعوت والصفات والتثبيط، بيد أنه كان يستمد قوته من وجوه البنجلادشيين البسطاء الذين استفادوا من البنك. يقول: "منحني التهكم مناعة ضد كلمات التثبيط. لم تعد تشكل لي شيئا. كنت أستعين بالله ثم ابتسامات المقترضين من البنك". كان زملاء يونس يحاضرون في أفضل جامعات العالم، بينما كان يزور مزرعة متواضعة أو كوخا صغيرا لمقترض جديد. شعر بالحسرة بيد أنه كان يردد الحديث الشريف: "أحب الناس إلى الله أنفعهم". كان يعلم أن الله سيعوضه خيرا في الآخرة كونه يحب إلقاء المحاضرات التي ضحى بها. لكن منّ الله عليه بالنجاح في الدنيا. نجاح لم يحلم به. انتشر مشروعه المحلي وذاع صيته في دول قريبة وبعيدة. استنسخ في بكين ونيويورك. وفاز في عام 2006 بجائزة نوبل للسلام، وصار رقما مهما يستقبله ساسة العالم من أوباما إلى ميركل ويحاضر في ستانفورد وأكسفورد. لم أشاهد طوال دراستي في جامعتي بسالفورد في بريطانيا حضورا لطلبة في محاضرة عامة كالتي قدمها محمد يونس في أيار (مايو) 2013 في قاعة الاحتفالات الرئيسة، حيث اكتظت القاعة بجمهور عريض. شعرت بالفخر وأنا أشاهد بروفيسورا مسلما يحظى بهذا التقدير ويقدم هذه الصورة الإيجابية عن وطنه ودينه والعالم. لقد أثبت محمد يونس أن مشروع بنك جرامين ليس غبيا بل عبقري. إن المشروع العظيم ليس من سبقك إليه الآخرون، وإنما من سبقت الآخرين إليه.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها