Author

إجازة الجمعة والسبت.. أخيرا

|
جاء الأمر الملكي الكريم باعتماد إجازة يومي الجمعة والسبت ليوقف سلسلة من التكهنات والنقاشات التي لم يكن فيها أي فائدة اقتصادية أو دينية أو سياسية. وكان القرار منتظرا لفترة طويلة، وربما كان الوقت الملائم هو هذا باعتبار الإجازة الدراسية، وتمتُّع كثير من موظفي القطاع العام والخاص بإجازاتهم، وقبل حلول شهر رمضان المبارك، بما يمكن الجميع من إعادة جدولة برامجهم بسهولة ودون تعقيدات. تبقى الكثير من الأنظمة والتعليمات والإجراءات والسياسات تنتظر أن ترى النور بدون أسباب واضحة، يذكر الجميع أنظمة مثل نظام الجمعيات التعاونية وتعديلات أنظمة الخدمة والكثير من القرارات المهمة للمواطن. أظن هذا القرار بقي حبيس الأدراج لفترة طويلة لكن رأى النور أخيرا، ومع القناعة الموجودة لدى قيادة الدولة بأهميته والمبررات التي بني عليها القرار، نجد أنفسنا في مواجهة قرار مهم وحيوي لمستقبل الدولة ككل. تخوّف بعض المسؤولين والمستشارين من التغيير الذي هو سنة الحياة، وتأثير العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على كثير من القرارات، دفع البعض إلى المطالبة بالتفكير في ردود الأفعال بشكل يؤخر اتخاذ القرار، ويحول المنظومة الحكومية إلى متلقية للضربات والتهديدات النفسية والاجتماعية والدينية. على أنه لا بد من التفرقة بين من يمتهنون استخدام الدين في رفض الجديد، والراسخون في العلم الذين يعلمون ويعملون بروح الشريعة الإسلامية. استمر الخلاف على تعديل يومي إجازة نهاية الأسبوع في المملكة سنين طويلة، تبنى كثيرون وجهات نظر قد لا يكون لها حظ من التوفيق، أو المواءمة الحميدة مع وضع المملكة الاقتصادي والسياسي والديني. على أن هناك اهتماما كبيرا من قيادة هذا الوطن على التريث في اتخاذ القرار عندما يكون هناك أخذ ورد ونقاش محموم يعارض التغيير. هذا الأمر انتهى وصدر فيه إجراء في أقل من عام في أغلب دول العالم العربي. طول الخلاف وكثرة آراء المخالفين ومحاولتهم رسم ووضع أسباب غير منطقية، وتعلُّل كثير منهم بقضية الدين والآثار الاجتماعية؛ جعل اتخاذ القرار يزداد صعوبة، لكن المتغيرات لم تكن لتنتظر أن يقتنع البعض بحتمية هذا التغيير. هذه الإشكالية ظهرت في قضايا أخرى مثل قضايا النقل العام، والتأمين الصحي على المواطنين، وخصخصة كثير من الأنشطة، التي لا تزال تحت مظلة الدولة، وتحاول أن توجد القاعدة المنطقية، التي تعتمدها للتغيير المفيد للمواطن بالدرجة الأولى والمحافظ على قيم ومعتقدات الدولة. لا يوجد قرار يحظى بالإجماع إلا ما ندر، فطبيعة منظومة اتخاذ القرار هي عبارة عن اختيار واحد من عدة بدائل، هذه البدائل لكل منها مزاياها وعيوبها، ولكل طريقة حل متحمسون ورافضون في نفس الوقت. هذه هي ضريبة المنصب العام. المسؤول مطالب بتنفيذ ما يراه في الصالح العام بعد دراسة كل البدائل المتاحة والتحديات التي يواجهها. إن التهرب من المسؤولية ومحاولة تمييع الأمور على أمل أن يحلها الزمن أو تنتهي المشكلة بالتقادم أو يحلها من يأتي مستقبلا؛ سياسات تسهم في تراجع الوضع القائم، وتفشيها يؤدي- بالضرورة- إلى انتشار الفساد والإساءة إلى سمعة الدولة وتعطيل التنمية. لم تكن المخاوف، التي تبناها المطالبون بالتريث في إصدار قرار تغيير إجازة نهاية الأٍسبوع إلى الجمعة والسبت بدلا من الخميس والجمعة منطقية، فمن ناحية شرعية -وهي الأهم- سيبقى الاحتفاء بيوم الجمعة، كما هو كأفضل أيام الأسبوع، بل إن الجمعة سيكون يوم الراحة الأكبر كونه يقع في منتصف الإجازة، يضاف إلى هذا أن أغلب الناس سيؤدون صلاة الجمعة بدلا من السفر للعودة للعمل، وقد ورد كراهية السفر يوم الجمعة، وهو ما كنا نضطر لعمله باعتبار الجمعة آخر يوم في الإجازة. أما من الناحية الاقتصادية، فإن الوضع القائم يجعل الأسواق المالية والتعاملات الدولية والعلاقة مع الاقتصاد العالمي مبتورة بفقدان يومي عمل رئيسيين هما الخميس والجمعة، والتي يعمل فيهما كل أسواق العالم، ويومي السبت والأحد، حيث نعمل نحن وحدنا. المعلوم أن الاقتصاد العالمي متداخل، والعلاقات شبه فورية مع ثورة الاتصالات، وليس من المفيد أن تبتعد مؤسساتنا وشركاتنا وقطاعنا العام عن العالم لمدة أربعة أيام. الواقع يقول إننا نعمل مع السوق العالمية ثلاثة أيام فقط، إن حجم الخسائر كبير دون أدنى شك لاقتصاد حجم ناتجه المحلي يتجاوز تريليوني ريال. تخيلوا أن اقتصادا من أهم عشرين اقتصادا في العالم لا يتعاطى مع الحياة الاقتصادية العالمية لأكثر من ثلاثة أيام. هذا يؤدي إلى فقدان الكثير من السيولة والفرص وتأخير التعاملات، وقد ذكر أحد المسؤولين أنه تلقى شيكا من وزارة سعودية يوم السبت، وخسرت شركته مبالغ كبيرة بسبب عدم تمكنه من صرف المبلغ، إلا بعد ثلاثة أيام. نفس المعطيات تقع على أي جهة اقتصادية سعودية تستلم استحقاقا يوم الأربعاء، وتضطر لإبقائه حبيس الأدراج لمدة ثلاثة أيام. يساهم التعديل في دعم علاقات واتصالات المملكة السياسية والمشاركات الدولية في المؤتمرات والمعارض وتسريع إنجاز معاملات القطاعات، التي تتعامل مع الخارج. يعلم كل من يشارك في المؤتمرات التي تبدأ عادة الإثنين وتنتهي الأربعاء أن هناك وقتا ضائعا من فترة العمل قوامها أربعة أيام هي السبت والأحد والخميس والجمعة. أهنئ الزملاء الذين يعملون الآن لأنهم سيحصلون على إجازة نهاية أسبوع مدتها ثلاثة أيام هذا الأسبوع، وأدعو المسافرين إلى الإبقاء على حجوزاتهم دون تغيير حتى لا يقعوا ضحايا التكدس في المطارات عند انتهاء إجازاتهم، وحيا الله القرار الشجاع.
إنشرها