Author

هيا إلى الرياضة

|
لا تنحصر الرياضة الحقيقية في متابعة اللاعبين المحترفين فقط، وتشجيعهم وتتبع أخبارهم وتحركاتهم، والاحتفال بانتصاراتهم ومشاركتهم الانكسار. بل تتعدى ذلك، لتؤثر في شخصية الرياضي نفسه وتلبسه رداءها، وتسمه بصفاتها الحقيقية. ومن صفات الرياضة، الفروسية، والفارس رجل إذا خاصم عدل، وإذا قدر عفا، إن انتصر تواضع، وإن خسر ابتسم وتحضّر لجولة الرد، لا تسكنه الهزيمة ولا يعطله النصر عن المسير في دروب انتصارات أخرى. هذه صفات الرياضة المعنوية، أما صفاتها الشكلية، فكثيرة تنعكس على الأولى أيضا وتوجهها، يختصرها القول القديم: العقل السليم في الجسم السليم. ناجحون كثر في هذه الحياة، يستمدون قدراتهم العقلية والبدنية من الرياضة، الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يقضي ساعتين من يومه يمارس رياضة بدنية بين المشي والسباحة وصالة الحديد، يقول في إحدى مقابلاته: ''أشعر أني لست أنا، إن لم أمارس حصتي الرياضية اليومية'' ويتابع: عندما أسافر يزدحم وقتي بالعمل والمواعيد فلا أجد وقتا للرياضة، ويمضي يومي رتيبا مملا، وعقلي ليس في أفضل حالاته''. .. الوزير السعودي علي النعيمي، الذي تلاحقه كاميرات الصحافة العالمية أينما حل وارتحل، اصطادته الكاميرات ذاتها، فجر أحد الأيام في فيينا حيث اجتماعات ''أُوبك''، وهو يقطع شارعا في العاصمة النمساوية على ''صهوة سيكل''، عندما سئل ماذا تفعل؟ أجاب ضاحكا: ''أعتني ببدني، ليعتني بعقلي، وحتى أكون في كامل تركيزي أثناء الاجتماعات وأستطيع إقناعكم بالأسعار المناسبة للنفط''. الشيخ عبد العزيز التويجري ـــ رحمه الله ـــ توفي وهو في الثمانينيات غفر الله له، كان يمشي ساعتين في اليوم، تتحول إلى الضعف في إجازاته، وبخلاف عمله الحكومي المشهود، أنتج عقله للمكتبة العربية الكثير من الدراسات والبحوث والكتب القيمة. .. في بريطانيا، أثبتت دراسة علمية أن ممارسي الرياضة يبدون أصغر من أعمارهم الحقيقية بخمسة أعوام مقارنة بغير الممارسين. وهذه غاية يطلبها الكثيرون نساءً ورجالا وولدانا. يسوؤني جدا، وأنا أتابع برنامجا رياضياً، فأرى كرشة المذيع الرياضي في عراك مع الطاولة أمامه، وتتكوم شحوم ضيفه اللاعب المعتزل أو الصحافي المنظِّرَ في فنون الرياضة على الطاولة نفسها، فتسيطر الشحوم نفسها على المخ وتقيد نشاطه. بينما في مجموعة BBC الإعلامية الشهيرة، لا يسمح للعاملين فيها من أصحاب الأوزان المتفجرة، بالظهور على شاشاتها، وهو توجيه سمعته أكثر من مرة من رئيسي في العمل تجاه المراسلين والمذيعين الرياضيين تحديدا. زرت أكثر من دائرة عسكرية في بلادنا، وهالني منظر كثير من أفرادها، ممن يستحقون الوصف ''مقبل مدبر معا''، وتساءلت في نفسي، أليست اللياقة البدنية أهم شرط يجب توافره في الرجل العسكري؟ والشيء بالشيء يذكر، لا بد من الإشادة باللياقة البدنية والعسكرية للطيارين السعوديين خاصة، بين اقرانهم العسكريين الآخرين، نتيجة خضوعهم لفحص لياقي دوري دقيق، ولكن.. كيف يغيب عن أقرانهم؟. في دبي، حيث يتجه السعوديون إلى قضاء إجازاتهم القصيرة تحديدا، أصبحت أعرف أن العائلة التي تسير أمامي سعودية رغم خلع العبايات، قياسا بـ ''الانفجار السكاني'' في الأجساد المترهلة المتكورة. ممارسة الرياضة جزء أصيل من هذه الحياة، وأعتقد أن المجتمع السعودي بحاجة لتوعية أكثر في هذا الجانب، وتقديم نماذج إيجابية لهم، تدفعهم إلى الاقتداء الحسن، ولا أبالغ إن قلت إن التوعية بأهمية ممارسة الرياضة، يفوق التوعية بأخطار الأمراض والأوبئة. تتوقف نشاطات الكرة هذه الأيام، ويملك محبها المتابع مساحة من الوقت قد تكون بداية لتأسيس علاقته بالرياضة الحقيقية. أنت عزيزي المشجع، أنتِ عزيزتي المشجعة، هيا إلى صالات الرياضة وميادينها، ممارسين أصحاء في البدن والعقل، لا متقاتلين خلف محترفيها فقط.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها