Author

«أوبك» .. ومعدلات إنتاج النفط الصخري

|
كان المأمول أن يبحث المؤتمر الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للبترول ''أوبك'' الذي انعقد في 31 أيار (مايو) 2013 قضية النفط الصخري إلى جانب مجموعة الموضوعات التي بحثها المجلس، ولكن المؤتمر فاجأ الجميع بأنه اجتمع وانفض دون أن يناقش ويبحث هذا الموضوع المهم الذي يشكل تحديا صارخا للمنظمة. ونزعم أن ''أوبك'' تدرك قبل غيرها خطورة المرحلة التي يمر بها السوق العالمي للنفط، وأتصور أن تأجيل بحث موضوع النفط الصخري يعتبر مأخذا تؤاخذ عليه المنظمة، وإذا لم تقم المنظمة بواجبها إزاء حماية الدول الأعضاء، فإنها تقدم نفسها كمنظمة ضعيفة واهنة لا تدرك أبعاد المخاطر التي تحوم حولها. والوقت الآن هو الوقت المناسب لوضع سياسات جديدة لإنتاج ''أوبك'' في ضوء معدلات الزيادة في إنتاج النفط الصخري، وكذلك في ضوء الكساد الذي تعانيه الكثير من دول العالم المتقدمة والناشئة. أمّا ما يقال: إن المنظمة ليس لديها المعلومات الكافية والأكيدة عن الزيادة في معدلات إنتاج النفط الصخري في السنوات القليلة القادمة، وليس لديها معلومات كافية عن تكاليف إنتاجه، فإننا نقول للمنظمة: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم والمفروض أن أولى المنظمات دراية بتحديات الزيادة في معدلات إنتاج النفط الصخري هي منظمة الأوبك، لأن النفط الصخري هو تحدٍ مباشر لكل الدول الأعضاء في المنظمة، وهذه الدول في أمس الحاجة إلى رأي المنظمة في هذه الظروف الدقيقة حتى لا تقع فريسة أزمة لم تستعد لها. وأرجو ألا يفهم من كلامي هذا أنني أضع الزيادة في معدلات إنتاج النفط الصخري في الجانب السلبي لمعدلات إنتاج الطاقة، لأننا في الأساس نبحث عن موارد جديدة للطاقة، والبترول الصخري يعتبر أحد الموارد المتجددة، ولذلك فإن الزيادة في إنتاجه تأتي في الجانب الإيجابي لزيادة موارد الطاقة، ولكن ما نعنيه أن الزيادة المفاجئة في معدلات إنتاج النفط الصخري قد تربك الدول المنتجة وتؤثر سلبا في هيكل الأسعار. إن التقارير التي تنشر حول تكلفة إنتاج البترول الصخري مقارنة بتكلفة إنتاج البترول الأحفوري ما زالت تؤكد أنها عالية، وإذا كانت تكلفة إنتاج النفط الصخري عالية مقارنة بتكلفة إنتاج البترول الأحفوري، فإن البترول الصخري لن يشكل تهديدا لبترول الشرق الأوسط كما يتغنى بذلك الإعلام الغربي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه لم يثبت حتى الآن أن البترول الصخري -مقارنة بالبترول الأحفوري- صديق للبيئة، وهذه إشكالية أخرى تعرقل من تقدم النفط الصخري على البترول الأحفوري، وتخفض من احتمالات تهديده البترول التقليدي. ومن هذا المنطلق كان المفروض أن يطرح البترول الصخري كبند رئيس في جدول أعمال الاجتماع الوزاري الذي عقد في 31 أيار (مايو) 2013، وكان المفروض أن يناقش هذا البند مناقشة دقيقة وحصيفة، لأن إشكالية النفط الصخري تكمن في الاختلاف حوله سواء من حيث معدلات الإنتاج أو من حيث تكاليف الإنتاج أو من حيث علاقته بالبيئة. ونعود مرة أخرى إلى التأكيد أن معركة البترول الصخري والغاز الصخري لم تحسم بعد، والولايات المتحدة ليست ساذجة حتى تعتبر أن بترول الشرق الأوسط، وبالذات البترول الخليجي، قد انتهى بل هي تدرك تماما أن البترول هو جزء مهم في قضية كبرى تشغل كل دول العالم في هذه الأيام، وهي قضية الطاقة المتجددة. وما زالت قضية نضوب البترول تشغل العالم، أقول نضوب البترول وليس فائضه، بل ما زالت الموارد الجديدة والمتجددة للطاقة محل جدل وخلاف دولي كبير. في السوق العالمي للطاقة اليوم يثور جدل كبير حول الطاقة الشمسية والطاقة النووية وأيهما أو كلاهما أكثر مواءمة مع البيئة التي يتهددها التلوث، كذلك فإن موارد الطاقة الأخرى لم تصل إلى القناعات النهائية أو حتى القناعات الاقتصادية، لكي تُدرج ضمن موارد الطاقة التي يتوقع أن تزيد معدلات الطلب عليها -في العقد القادم- بشكل يفوق كل التوقعات. بمعنى أن الطلب على البترول حتى مع زيادة إنتاج موارد الطاقة الأخرى -على المدى البعيد- لن ينخفض كما يلمح إلى ذلك البعض، وإن انخفض الطلب على الطاقة -على المدى القريب- فإن الانخفاض سيكون مؤقتاً، وستعود الزيادة في الطلب على البترول، وكذلك سيزيد الطلب على موارد الطاقة الأخرى، لأن الدول المتقدمة والدول الناشئة تتسابق من أجل مزيد من التقدم، ووقودها في تحقيق معدلات التقدم هو استهلاك مزيد من موارد الطاقة التقليدية والمتجددة، وأمام العالم وقت طويل حتى تتضح أمامه معالم المستقبل. ونضرب مثالا بالسعودية التي أسست مدينة الملك عبد الله للطاقة المتجددة وهي دولة رئيسة في إنتاج البترول التقليدي، ولم تقلق المملكة -وهي تتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة - من أن زيادة إنتاج موارد الطاقة المتجددة سيخفض الطلب على البترول الذي تتميز بإنتاجه بكميات أكبر على مستوى العالم، أكثر من هذا وقعت مدينة الملك عبد الله مع شركات يابانية وكورية كبرى لبناء مفاعلات نووية وبناء منصات للطاقة الشمسية تساعدها على تخفيض استهلاكها المحلي من البترول الذي بلغ مستوى يقلق المسؤولين الحكوميين في السعودية. والخلاصة أن المباراة بين البترول التقليدي والبترول الصخري ما زالت في بدايتها، وما زالت تحفل بالكثير من المفاجآت، وما زلنا ننتظر مفاجآت كثيرة قد تضطر البعض إلى تغيير البوصلة وإعادة وضعها في المسار الموضوعي السليم.
إنشرها