Author

تهريب الوقود .. والعقوبات

|
ظاهرة تهريب المشتقات النفطية من بلادنا إلى الدول المجاورة بسبب الفارق الكبير في السعر أمر مقلق لنا للغاية ويصب في عوامل استنزاف ثروتنا النفطية الناضبة، ويحتم علينا الأمر الواقع معالجتها وإيقافها بأي طريقة عملية ذات مردود إيجابي. ومن الممكن أن نضع عملية التهريب في مرتبة السرقة التي يُعاقِب عليها القانون والتنظيمات الإدارية. ذلك لأنها تُعد من مخالفات الأوامر الحكومية المرعية في المملكة. كما أنه ينتج عن ممارستها ضرر بالغ على الاقتصاد الوطني بصورة مباشرة. أما أسباب عملية التهريب ودواعي انتشارها على نطاق واسع فلا تخفى حتى على المواطن العادي، وهو فارق السعر المحلي مع ما هو سائد في بعض بلدان الجوار. وعملية التهريب تزدهر عادة عند الحدود وفي الأماكن النائية، في غياب تطبيق القوانين والمراقبة الجيدة والتراخي في معاملة المهربين عند الإمساك بهم، إما تكاسلا وتقاعسا أو مراعاة لظروفهم الخاصة، حيث يكون معظمهم من ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل. مع أن هناك من المهربين منْ هم في مستوى أصحاب الثروات الكبيرة، كما نُشِر أخيرا في الصحف عن بعض الحالات التي كانت قد تم اكتشافها قريبا من المنافذ البحرية، وهو أمر مؤسف للغاية ولا ينم عن حسن المواطنة وتقدير الفضائل التي يتمتعون بها في هذا البلد الطيب. وقد تكون إمكانات المسؤولين البشرية و"اللوجستية" عند أطراف الحدود محدودة، ولا تمكنهم من الإحاطة بكل ما يدور في نواحي المنطقة التي تقع تحت مسؤوليتهم. وإن كان ذلك في نظرنا ليس عذرًا كافيًا، لأن من الواجبات الملقاة على عواتقهم تحمُّل مسؤولية إبلاغ منْ بيدهم قرار تلبية متطلباتهم التي تعينهم على أداء واجباتهم على الوجه الأكمل والمطلوب. ومما يجعل من عملية تهريب الوقود مسألة تلفت الانتباه إلى درجة كبيرة، هو الارتفاع غير الطبيعي لمستوى استهلاك المشتقات النفطية داخل المملكة، وبنمو سنوي مُخيف، ما يثير بعض الشكوك في أن للتهريب أثرا كبيرا على الكميات المستهلكة محليًّا. وقبل أن نسترسل في الموضوع ونجِدَّ في البحث عن أصناف الحلول التي من الممكن تفعيلها من أجل التغلب على هذه المعضلة، نجد أنه من المهم والمنطقي معرفة التقديرات الرسمية لكميات المشتقات النفطية التي يتم تهريبها عبر المنافذ المعروفة، إن أمكن ذلك. فإذا وُجِد أن الكميات التي يتم تهريبها قليلة ولا تتعدى نسبتها 1 في المائة، من مجموع المحروقات المستهلَكَة في المملكة، فمن الممكن التغاضي عنها في الوقت الحاضر لعدم جدوى ملاحقتها ولقِلَّة نسبة المردود على الجهود التي ستُبذل في سبيل تحقيقها. وإذا ظهر لنا أن هناك جدوى من ملاحقة المهربين والحد من نشاطهم غير المشروع، فيجب أن نفعل ونبحث عن الطرق المتيسرة بكل ما أوتينا من وسيلة. وبطبيعة الحال، فإن أنجع الوسائل والطرق للقضاء على ظاهرة تهريب الوقود بأشكاله وأنواعه إلى خارج السعودية، هو رفع الأسعار إلى مستوى يفوق أو يكون مساويًا لأسعار الوقود في البلاد المجاورة، التي عادة تستقبل المواد المهرَّبة. ولكن، وحسب علمنا، فإن باب الحديث عن إمكانية رفع الأسعار على الأقل في الوقت الحاضر مُغلق ولا جدوى من مناقشته، لأسباب جوهرية لا يُدركها إلا الذي وضع الأسعار المخفضة. ولذلك فمن الأفضل بالنسبة لنا عدم الخوض في موضوع رفع الأسعار ونعتبرها أمرًا واقعيًّا وغير قابل للبحث في الوقت الراهن. ومحاولة النظر في حلول عملية أخرى قابلة للتنفيذ، بصرف النظر عن مدى فاعليتها. فالمهم هو أن يكون لها مردود إيجابي يحقق ولو جزءا يسيرا من هذه المهمة الصعبة. ولعل أول خطوة يجب أن نتخذها تجاه معالجة هذه الظاهرة هي تحديد أنواع العقوبات التي ستطول مرتكبي عمليات التهريب حتى يكونوا عبرة لمنْ تسول له نفسه ممارسة مهنة التحايل واستغفال النظم التي وُجِدت من أجل حماية المصالح العامة. ونقترح أن تكون درجة معاقبة المهربين الكبار لا تقل عن ثلاثة أمثال عقوبة المهربين الصغار الذين تثبت عليهم تهمة استخدام مركباتهم الخاصة لنقل كمية أكبر من حاجتهم من المحروقات إلى خارج المملكة من أجل بيعها بمكاسب مالية كبيرة. ومن الممكن تعريف المهرب الكبير بأنه الشخص أو المؤسسة التي يكون أو تكون طرفًا في نقل المواد البترولية غير المسموح بتصديرها بكميات كبيرة إلى خارج المملكة، إما عن طريق الصهاريج أو المواسير الموصلة إلى الموانئ البحرية. وجميع العقوبات يجب أن تكون صارمة حتى تكون رادعة لكل منْ لا يحترم حرمة النظم والقوانين السائدة في البلاد. ولا يمنع أن تكون هناك مكافأة مجزية لكل منْ يكشف على عملية تهريب كبيرة، سواء كان المُخبر من الموظفين الرسميين أم من عامة الشعب، وهي دون شك خدمة وطنية قبل أن تكون بحثًا عن مكافأة مالية. كما يجب أن تُنبه محطات تعبئة الوقود، وخصوصًا منها القريبة من المنافذ بأن تكرار عملية التهريب منها أو بوادر السحب الكبير غير الطبيعي، ستُسأل عنه إذا لم تبلِّغ هي الجهات المعنية.
إنشرها