Author

حوادث كارثية .. سحب الرخصة لا يكفي

|
لأنه لم يكن هناك نظامٌ للعقوبات ضدّ المخالفين لنظام المرور، فإن ثقافة التعامل مع خطورة تلك المخالفات غير موجودة، كما أنه لا يوجد وعي مروري عام حول ما يمكن أن يترتب على سجل المخالفات من آثار قانونية؛ منها سحب رخصة القيادة، الذي أصبح الآن مطروحاً من قِبل المجلس الأعلى للمرور وفي مراحله الأخيرة بعد انتهاء دراسته، وينتظر فقط ما سيتخذه المقام السامي حول هذا الاقتراح، وكذلك مشروع نظام النقاط الذي قد يطبق قريباً ويتيح للجهات المرورية سحب رخص القيادة عند تراكم مخالفات السائق المرورية وبلوغها 24 نقطة. إن فكرة تحقيق العقاب على مخالفي تعاليم المرور وقوانينه، تهدف إلى إيجاد وعي مروري ورفع الثقافة المرورية وفرض الالتزام بوسائل السلامة لحماية الأرواح والممتلكات، ولذا فإن العقوبات في بعض دول العالم ليست ذات غاية ربحية، بل هي تهدف لتغيير السلوك في الدرجة الأولى، وبالتالي فهناك بدائل للعقوبات المالية، ومنها سحب الرخصة كعقاب أخير، فهو بمنزلة آخر الدواء الكي، حيث يتم تفادي الوصول بالمخالفين إلى هذه المرحلة ومعاقبتهم بجزاءات، مثل حضور دورة عن السلامة المرورية، وبهذا يتحقق الهدف الذي عني إليه، وهو تقليل المخاطر ورفع الثقافة المرورية لسلامة المجتمع ككل. كما أن إخضاع المخالفين، وخصوصاً المتهورين للمشاركة في الأعمال التطوعية لرفع مستوى الوعي والإدراك لديهم بدور الفرد في المجتمع متى كان صالحاً وعارفاً بخطورة ما يأتيه من أفعال ضارّة بالآخرين، ونحو ذلك من العقوبات التي تؤدي بحسب مآلها المعتاد إلى تقويم سلوكيات الفرد وتغييرها نحو الأفضل، ثم الحرص على تنمية وعي الفرد تجاه المجتمع لضمان تحقيق الهدف، الذي هو في النهاية ناتج جماعي يكتسبه الكل وليس على مستوى فردي، والسؤال المطروح الآن: هل كانت النتائج إيجابية من تطبيق نظام ساهر في تغيير سلوك سائقي المركبات؟ وهو ما يمكن معرفته من خلال إحصائية دقيقة توضح كيفية تغيّر سلوك قائدي المركبات، ومنها خفض نسبة الحوادث والوفيات والتلفيات في المركبات والطرق. إن التوعية المرورية لا تزال بعيدة عن غايتها، فلا يكفي أن يكون سائقو المركبات على علم بقواعد وأصول وآداب السير في الطرقات، ولكن المهم أن يقتنعوا بها، وأن يستعملوا المركبات والطريق على أساسها، كما أن السلامة المرورية يجب أن تسبق أي برنامج جزائي شامل لأن السلامة المرورية ذات بُعد وقائي، وتهدف إلى تبني جميع الخطط والبرامج واللوائح المرورية والإجراءات الوقائية للحد من أو منع وقوع الحوادث المرورية ضماناً لسلامة الإنسان وممتلكاته وحفاظاً على أمن البلاد ومقوماتها البشرية والاقتصادية. إن الجزاء بسحب الرخصة قد لا يؤتي ثماره، فهناك كثيرون يقودون السيارات بلا رخصة أصلاً، في حين أننا نفتقد حملات التوعية المرورية التي يقوم بها المرور بشكل دوري مستخدماً الإعلام ووسائل النشر الإعلامي لإقناع الجمهور بأهمية احترام قواعد السير من أجل وقاية المجتمع من حوادث المرور، وهو عمل يمكن إسناده إلى شركات ومؤسسات متخصّصة في التوعية، فالحوادث لدينا غير عادية في حجم التهور وقلة المبالاة، كما أنها كارثية في خسائرها البشرية والمادية، ومع ذلك لا نزال نراوح مكاننا في مواجهتها بملامسة الجوانب التربوية والسلوكية، وكثيراً ما نكرّر أن محاور وعناصر السلامة المرورية ثلاثة هي: المركبة والطريق والعنصر البشري ممثلا في قائد المركبة، بينما العنصر البشري يشمل في الواقع القوى البشرية المديرة للحركة المرورية في المكاتب والطرقات، لأنها هي التي تضع منهجية التعامل مع الظاهرة المرورية وتستطيع أن تتغلب على معظم السلبيات متى كانت أهدافها ممكنة التحقيق ميدانياً.
إنشرها