FINANCIAL TIMES

السمنة والجوع يدا بيد في أمريكا

السمنة والجوع يدا بيد في أمريكا

أكثر من ثلث الأمريكيين الراشدين مصابون بالسمنة، وهذا الوباء يكلف نظام الرعاية الصحية مئات المليارات من الدولارات سنوياً. ومع أن الفقراء ربما يكون في مقدورهم الحصول على الطعام، إلا أنه ليس النوع السليم من الطعام، ما يعني أن التكاليف ستستمر في التصاعد. في ظل شجرة ضخمة، تَجَمَّع عشرات الأشخاص من عائلة جراندرسون في حفل شواء عصر يوم حار في المسيسيبي. كان هناك الدجاج المشوي، وعرانيس الذرة، وسلطة الباستا والفاصوليا الجنوبية. كان الأطفال يلعبون تحت الشجرة ويشربون المشروبات الخفيفة الملونة كالأدوية، في حين أن أحد الكلاب كان يتشمم الأرض من أجل التقاط بقايا الطعام. كانت وجبة كبيرة فعلاً. لكن من أجل إعدادها اضطرت نساء العائلة إلى السفر 25 ميلاً من مساكنهن في تشولا، التي هي عبارة عن نقطة تقاطع أكثر من كونها بلدة، إلى أقرب سوبر ماركت مليء بالبضائع، وهو متجر وول مارت في جرينوود. تقول فكتوريا جراندرسون، وهي مسؤولة في السجن تبلغ من العمر 42 عاماً، وأم لطفلين، وهي تقشر أحد عرانيس الذرة : ''الطعام الطازج نادر في هذه الأنحاء''. تعتبر تشولا، بعدد سكانها البالغ 2052 نسمة، ''صحراء غذائية''، بمعنى أنها مكان لا يمتلك فيه السكان القدرة على الحصول على الطعام الصحي، وغالباً ما لا يكون ذلك متيسراً لهم. ورغم أنها تقع على تربة خصبة في دلتا المسيسيبي وتزدهر شجيرات القطن وفول الصويا في الحقول المحيطة بالبلدة، إلا أن الثمار المعروضة للبيع في البقالة الوحيدة فيها، وهي مركز الطعام في تشولا، في درجات متفاوتة من الفساد. هناك ثلاث موزات بنية اللون لا تصلح إلا لصنع الكيك، وقطع الملفوف التي كان من الممكن أن تصلح لطبق سلطة طيب قبل بضعة أسابيع، رغم أن البطاطس لا يزال بها رمق. لكن ثلاجة اللحوم تحتوي على قطع مدورة غير معروفة، عليها ملصق يقول ''قسم اللحوم''، ويجلس الدجاج على أرضية تلوثها الدماء. أما ثلاجة الفريزر فهي مليئة بأصابع البطاطس الجاهزة للقلي وقطع الخبز المغطاة بالجبن وحبات الربيان على شكل فشار الذرة. بالنسبة لأهل البلدة – التي يتألف 96 في المائة منهم من السود، وتبلغ نسبة البطالة بينهم 25 في المائة تقريباً ولا توجد فيها مواصلات عامة – هذا هو الخيار الوحيد للتسوق المتاح أمامهم. تقول جراندرسون: ''في البقالة المحلية الأسعار أعلى بكثير. وهم يرفعون الأسعار لأنهم يعلمون أنك من أهل البلدة وأنك إذا لم تحصل على توصيلة فلا بد من أن تدفع الثمن المطلوب''. ووفقاً لمراكز مكافحة الأمراض، الولايات المتحدة واقعة في قبضة وباء السمنة. فأكثر من ثلث البالغين – بمن فيهم نصف البالغين من السود – مصابون بالسمنة، مثلما هو حال 20 في المائة من الأطفال. وتبلغ نسبة السمنة في المسيسيبي 35 في المائة، وهي الأعلى في البلاد. وأكثر من 27 في المائة من جميع الأمريكيين بين 17 و 24 سنة – أي أكثر من تسعة ملايين شخص – لا يستطيعون دخول الجيش بسبب السمنة، حتى لو أرادوا. وتكلف السمنة مئات المليارات من الدولارات سنوياً في شكل رعاية صحية، وتقليص للإنتاجية من خلال تفويت أيام العمل. وتواجه الشركة المتوسطة التي يبلغ عدد موظفيها ألف شخص، تكاليف سنوية زائدة بسبب السمنة مقدارها 285 ألف دولار، وفقاً لمركز راد لسياسة الطعام والسمنة في جامعة ييل. ويؤثر وباء السمنة في الأمريكيين الفقراء بصورة خاصة. وتبين تشولا السبب في ذلك : صحيح أن سكانها يحصلون على الطعام، إلا أنه ليس النوع السليم من الطعام. وتقول ساندرا شيلسون، المديرة التنفيذية للشراكة من أجل صحة المسيسيبي، وهي منظمة غير ربحية : ''هنا مفارقة عظيمة. تتمتع المسيسيبي بكل هذه الأراضي الزراعية الرائعة، لكن في الوقت نفسه لدينا صحاري غذائية. لدينا أعلى نسبة سمنة، لكن في الوقت نفسه لدينا أعلى نسبة جوع. القاسم المشترك هو الفقر''. ووفقاً لمؤسسة روبرت وود جونسون، تبلغ نسبة السمنة 41 في المائة في مقاطعة هولمز، التي تقع فيها تشولا. وهذا يجعلها أعلى بواقع خمس نقاط مئوية فوق مستوى المسيسيبي. وتضم المدينة تقريباً ضعف المعدل الأمريكي من حيث عدد السكان العاملين في أعمال تتطلب الجلوس في أغلب الوقت، ونصف مطاعمها هي محال للوجبات السريعة. وفي حين أن هناك عدة تعريفات للصحراء الغذائية، إلا أن المعادلة من وزارة الزراعة، التي تشتمل على الدخل المتدني والقدرة المتدنية للوصول إلى الطعام الجيد، تشير إلى أن نحو ثلث الناس الذين يعيشون داخل تشولا وحولها ليست لديهم سيارات ويعيشون مسافة لا يمكن قطعها سيراً على الأقدام (أكثر من نصف ميل) من السوبر ماركت. والولايات المتحدة، أغنى بلد على ظهر الكوكب، مليئة بأماكن مثل تشولا. فمن بالتيمور إلى ديترويت، ومن فيلادلفيا إلى لوس أنجلوس، هناك مجتمعات يستحيل أن تجد فيها البروكولي الطازج أو قطعة من اللحم ''الهبرة''. مع ذلك يبدو أن كل محطة بنزين تبيع وجبات الدجاج المقلي مقابل دولارين، وتمتلئ الأرفف بزجاجات المشروبات السكرية الرخيصة. وتشير تقديرات مراكز مكافحة الأمراض إلى أن 25 في المائة من الأمريكيين غير قادرين على شراء الطعام الصحي في منطقتهم. ومع أن كثيرين، مثل جراندرسون، يستطيعون قيادة سياراتهم إلى المتاجر الكبيرة لشراء الخضراوات، إلا أن نحو 10 في المائة من السكان، أي نحو 29.7 مليون أمريكي، تنطبق عليهم كذلك فئة أصحاب الدخل المحدود، وفقاً لوزارة الزراعة، ما يجعل من الصعب عليهم الخروج إلى أية واحة غذائية. وكل شخص من مركز مكافحة الأمراض إلى ميشيل أوباما – برنامج السيدة الأولى يشجع الأمريكيين على الأكل الأفضل والتمارين الأكثر – يعقد الصلة بين توافر الطعام المقلي والحاجة إلى بنطلونات بوسط مطاطي قابل للتمدد. لكن يختلف الخبراء حول ما إذا كانت هناك علاقة سببية بين الصحاري الغذائية والسمنة. وتوصلت بعض الدراسات إلى أنه لا يوجد دليل قوي بين سهولة الوصول إلى الطعام الطازج وزيادة الوزن. ويقول كيلي براونيل، مدير مركز راد، إن المشكلة في التوصل إلى علاقة حاسمة هو أن هناك عدداً كبيراً من العوامل الداخلة في الموضوع، بما فيها الفقر والوضع السكاني. ويتابع : ''لكن هذا لا يعني شيئاً للناس الذين لا يقدرون على الوصول إلى الأطعمة الصحية على نحو يجعلهم يعانون من عواقب صحية جراء ذلك. إذا كان ما تستطيع الوصول إليه وما تقدر على شرائه هو الخيارات غير الصحية، عندها بطبيعة الحال ستكون هذه هي الأطعمة التي ستشكل نظامك الغذائي. وستكون هناك مجموعة متتالية من العواقب الصحية التي تنتج عن ذلك – ليس فقط السمنة وإنما هناك أمراض أخرى مرتبطة بنوع الطعام، مثل أمراض القلب والسرطان''. لكن الأمر الواضح هو أن الصحاري الغذائية تؤثر في الفقراء بصورة غير متناسبة. فنحو ربع سكان المسيسيبي يتلقون معونات تموينية – يبلغ الدعم الحكومي أربعة دولارات يومياً للشخص - ويحاولون الحصول على أكبر عدد من السعرات الحرارية مقابل مشترياتهم. ويعلم مايك الحاج، مدير مركز طعام تشولا، أن بإمكانه القيام بما هو أفضل من ذلك، لكن اقتصاديات الحجم غير متوافرة هناك. ويقول وهو يهز كتفيه ويعود لتعبئة إحدى الخزائن : ''هذه بلدة صغيرة''. لكن شركات التجزئة الكبيرة تتخذ الإجراءات، خصوصاً أكبر هذه الشركات، وهي وول مارت. فقد أصبحت هذه الشركة أكثر بائع للخضراوات والثمار في العالم، وهي تقوم بجهود لتحسين عروضها الصحية، بحيث تزيد من منتجات الأطعمة الطازجة وتقلص محتوى السكر والملح في أطعمتها التي تحمل علامتها التجارية. كذلك افتتحت الشركة 86 محلاً في مناطق الصحاري الغذائية. وبحسب جاك سنكلير، نائب الرئيس التنفيذي للبقالة في وول مارت، الشركة تحاول أن تضمن أن السعر لا يجعل الأطعمة الصحية مرتفعة التكاليف فوق متناول الناس. ويتساءل: ''كيف نستطيع أن نكون ديمقراطيين في الجزء الصحي من عروضنا الغذائية؟ سيتخذ الزبون خياره الخاص، لكننا نحاول أن نضمن ألا يكون السعر عاملاً في هذا الاختيار''. وفي الوقت الحاضر، هذا يجعل الدجاج المقلي خياراً أفضل من السبانخ، وما يعقد الأمر أن المحال الصغيرة تقبل البطاقة الإلكترونية للكوبونات الغذائية الحكومية، في حين أن أسواق المزارعين في العادة لا تقبل بها. وكانت فود تراست، وهي منظمة غير ربحية، من الرواد في ''شبكة المحل الصحي القريب'' التابعة لها في فيلادلفيا، حيث زادت من توافر الأطعمة الصحية في 600 محل صغير في المناطق غير المخدومة جيداً. وهناك برامج مماثلة يجري العمل فيها في نيويورك ولويزيانا وإلينوي، وتراقب إدارة أوباما هذا النشاط عن كثب وقد خصصت 35 مليون دولار لمبادرة تمويل الطعام الصحي، وهي خطة فيدرالية للمساعدة على زيادة القدرة على الوصول إلى الأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية في المجتمعات الفقيرة. لكن التحدي يختلف من ولاية إلى أخرى، ومعظم الإجراءات تتم على المستوى المحلي. ففي المسيسيبي أنشأت شركات الأغذية بالتجزئة ومسؤولو الصحة العامة ''قوة المهمات للوصول إلى البقالة في المسيسيبي'' من أجل محاولة التغلب على التحديات، وبعضها بسيط نسبياً. مثلا، تشهد محال البقالة زيادة في الأعمال حين يتم توزيع بطاقات الدعم الحكومي في بداية الشهر، بينما يتراجع الطلب في النصف الثاني. وتحاول قوة المهمات أن يتم توزيع الإعانات بصورة متساوية خلال الشهر. وهي تنظر كذلك فيما إذا كان من الممكن تقديم خدمات بقالة متنقلة للمجتمعات الصغيرة، حتى يتسلم كل شخص المواد التي سبق له طلبها. وهناك جهود لتشجيع تأسيس أسواق للمزارعين تكون مزودة بالتكنولوجيا اللازمة لقبول بطاقات الطعام. وتقول شيلسون : ''الفكرة أساساً هي أنك إذا أعددتَ لهم مكاناً، فسيأتون إليك''. وبعض المدارس الابتدائية في المسيسيبي استبدلت أفران الغاز بالمقالي العميقة، وقلصت الخيارات غير الصحية في آلات بيع الطعام وأدخلت عروضاً صحية في وجبة الغداء. وهناك علامات مبكرة تشير إلى أن هذه الجهود تؤتي أكلها. فنسبة تلاميذ المدارس الابتدائية الحكومية من ذوي الوزن الزائد، أو المصابين بالبدانة تراجعت من 43.9 في المائة عام 2005 إلى 40.9 في المائة عام 2011. لكن معظم التراجع كان بين الأطفال البيض، بينما بقيت نسبة البدانة بين الصغار السواد على حالها. لكن كما تقول شيلسون، النسبة على الأقل لم تتزايد. ويوافق براونيل على أن النتائج الأولية مشجعة ويقول : ''لكننا سنحتاج إلى أكثر بكثير من هذه الأشياء، من أجل أن نحقق تقدماً جيدا''، مثل التخطيط الأفضل للمناطق وحوافز ضريبية أفضل للأسواق التي تبيع الطعام الصحي. ويقول : ''هناك عدد من التحديات التي يجب التصدي لها ولا بد من توافر المال لتصحيح هذه المشاكل''. وتدرس الجماعات المدافعة عن المستهلكين وحتى بعض البلديات فكرة فرض ضرائب على الأطعمة والمشروبات ذات القيمة الغذائية الرديئة. ويعتقد روي ميتشيل، من برنامج الدفاع عن الصحة في المسيسيبي، وهو جزء من منظمة كاثوليكية، أن هناك مجالاً للتغيرات الضريبية، مثل إلغاء الضريبة التي تفرضها الولاية على جميع مواد البقالة من أطعمة صحية معينة. ويقول: ''يستطيع المحافظون تسويق ذلك على أنه إعفاء ضريبي للجميع''. وشرح كيف يمكن أن تصبح هذه الفكرة مقبولة سياسياً. لكن في حين أن هناك أدلة متينة تفيد بأن الضرائب على السجائر تؤثر في قرارات الناس بالتدخين، لا توجد نتيجة واضحة تفيد بأن الضرائب على الطعام تفعل الشيء نفسه. كما أن الإجراءات التشريعية ليس من السهل تسويقها، خصوصاً في الجنوب، حيث يعتبر تدخل ''الحكومة الكبيرة'' غير مرحب به على الإطلاق. وعبّر أعضاء مجلس الشيوخ عن المسيسيبي بوضوح عن آرائهم حول الحظر الذي فرضه مايكل بلومبيرج، عمدة نيويورك، على المشروبات السكرية الكبيرة. واقترحوا مشروع قانون عام ''مناهض لبلومبيرج'' في آذار (مارس) يحظر على أجهزة الولايات تقييد أحجام العبوات وحظر الأطعمة استناداً إلى قيمتها الغذائية. وهذا علامة على وجود مشكلة أكبر. وفي المسيسيبي، كما تقول سيلسون، كل شيء نسبي. لا يشعر الشخص الذي يزيد وزنه على 110 كيلو جرامات بأنه سمين حين يكون وزن كل شخص حوله 136 كيلو جراما.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES