Author

زحمة لوحات محال للتقبيل

|
تُزاحِم لوحات التقبيل هذه الأيام كل اللوحات. اختفت المتاريس التي كانت تستخدمها العمالة الأجنبية لممارسة عمليات السيطرة على السوق ومحاربة المواطن في كل مكان يحاول أن يسترزق منه. أغلقت أكثر البقالات شهرة في حينا، كانت تجذب الجميع بوسائل التسويق الحديث، فالطلب لا يستغرق وصوله لمنزلك أكثر من عشر دقائق، يبتسم العاملون بالبقالة في وجهك، بل ويخالفون تعليمات البلدية بالخروج لأخذ الطلبات وإيصالها إلى السيارة من أجل عيون الزبون. أكثر ما يجذب الناس لتلك البقالة هو أنها توفر كل شيء يمكن أن تفكر فيه. بل إن مديرها الأنيق يحتفظ بسجل لطلبات الأسر الأكثر تكرارا، مع أجندته التي يسجل فيها كل طلب غير متوافر في البقالة. ينافس هؤلاء في كل شيء، فهم يعملون حتى آخر دقيقة متاحة لهم عند الأذان، ووقت الإغلاق، بل ويتابع أحدهم مكبر الصوت في المساجد ليفتح أبواب البقالة بمجرد أن يسمع الإمام يقول '' الســ'' بنهاية الصلاة. طاقم البقالة مكون من أربعة أشخاص يعملون في مساحة ضيقة ويتبادلون المهام على مدار اليوم، إضافة إلى دراجتين ناريتين مهمة سائقيهما ضمان وقت التسليم السريع. يعمل في البقالة الأشخاص أنفسهم منذ ما يقارب أربع سنوات، وكأني بهم لا يسافرون ولا ينامون ولا يكلون ولا يملون من مهمتهم تلك. أقفلت البقالة أبوابها، فضاع سكان الحي بين البقالات وأصبحوا ضحايا لبقالة يديرها مجموعة من العمال من دولة عربية في محطة المحروقات، وبقالة يديرها عمال من دولة عربية أخرى لا تتغير بضاعتها إلا بعد أن تنتهي مدة صلاحيتها. يقف العمال الأجانب في طوابير أمام سفارات وقنصليات بلادهم في الرياض وجدة. اضطرت سفارة إحدى الدول للاستعانة بموظفين من خارج المملكة لتغطية عمليات تعديل الأوضاع التي هب لتنفيذها الجميع. طالت عملية التعديل كل شيء من العمر إلى الكفيل إلى المؤهلات العلمية. أشهر ما انتشر خلال الفترة الماضية هو تخلي الكثير من العمالة عن الشهادات التي كانوا يبرزونها ويبارزون بها في كل مكان. شهادات الهندسة والطب والإدارة والقانون التي اشتروها بثمن بخس، وأضافوا عليها شهادات خبرة وتوصيات من جهات عديدة، أصبحت بلا فائدة. بل كشف الكثير منهم عن أنها من النوع ''المضروب'' الذي لا يبني البيت ولا يعالج المريض. كان أحد القراء قد شكك في روايتي التي ذكرت فيها أن عامل خدمة في مكتب للعقار يحمل ثلاثة مؤهلات من كلية الطب في تخصصات مختلفة، وها هو اليوم يعترف بأننا مجتمع ''ملطشة'' على حد تعبيره. يقول الواقع: إن عمليات التزوير هذه منتشرة في كل دول العالم. هناك دول أكثر خطرا من أخرى. يعتمد هذا على مدى تنظيم عصابات بيع الشهادات، وما تطالب به من مستويات علمية، وعدد الجامعات في الدولة. الفلبين من الدول التي تعودنا انضباط عمالتها وصحة مؤهلات القادمين منها، لكن الوضع لم يعد كذلك. السبب الرئيس هو ارتفاع مستوى دخل الفرد هناك وهو ما يجعل الرواتب عندنا أقل جاذبية للمؤهلين ''فعلاً''. يؤكد لي أحد الزملاء أنه من بين أكثر من 250 متقدماً، لم يتجاوز عدد حاملي الشهادات الصحيحة العشرين. يعتبر هذا السلوك أكثر انتشاراً في دول وسط آسيا والعالم العربي، ونحن نعرف أن الكثير ممن يقعون تحت نطاق الوسم ''هلكوني'' في الإنترنت من السعوديين حصلوا على شهاداتهم المضروبة من دول عربية، على أن هناك جامعات مشهورة في الولايات المتحدة وأغلب دول أوروبا تبيع الشهادات ''على عينك يا تاجر''، وأغلبها معروف لدى الجهات المختصة. يجب أن تعمل جميع الجهات المختصة على إغلاق كل الثغرات التي يمكن أن تنفذ من خلالها العمالة المخالفة. وما دمنا في مجال تعديل الأوضاع، فإنه لا بد من وضع قواعد حاكمة يعاقب من خلالها كل من يخالف أنظمة العمل والإقامة بما يضمن استمرار نظافة سوق العمل من غير المتخصصين وإنهاء قضايا التستر التي يتكسب من خلالها القلة على حساب أغلب شباب وشابات الوطن بطريقة غير قانونية. لقد مارس الكثيرون عمليات التستر لتحقيق أهداف شخصية قصيرة المدى، لدرجة أصبح المتستر يحصل على ''طفسة'' بينما يكوِّن العامل الأجنبي ثروة. أصبحت المملكة الثانية عالمياً في عمليات التحويل الخارجي بعد الولايات المتحدة التي يبلغ إجمالي ناتجها القومي أكثر من ثلاثين ضعف الناتج الوطني في المملكة. هذه المعادلة تعني أن تحويلات الأجانب لا بد أن تنخفض بما لا يقل عن 80 في المائة من الوضع الحالي. هذا التحدي لا بد أن تتعاون لتحقيقه كل الجهات العامة والخاصة، خصوصا أن أغلب تلك الأموال تخرج من الاقتصاد دون رجعة، إضافة إلى أنها من الثروة الوطنية غير المتجددة. يمكن أن تضم التعليمات الجديدة تحديد المدة الزمنية التي يمكن أن يسمح للأجنبي بالبقاء في المملكة، خصوصا من لا يحملون مؤهلات نادرة، الذين يمكن استبدالهم بسرعة. كما يمكن أن تضيف وزارة العمل لقوائم الوظائف التي لا بد من سعودتها المزيد من التخصصات التي لم يعد هناك حاجة للاستقدام منها خصوصا الوظائف التعليمية والصحية. كما يجب أن تعمل الوزارة على ضمان أن تكون السعودة في الوظائف الهندسية والصناعية والإدارية التي زاد عدد المتخصصين فيها. يمكن أن تضغط الوزارة لتوظيف المتخصصين في المجالات الجديدة، كنواة لسعودة أعداد أكبر من الوظائف بالتدريج.
إنشرها