FINANCIAL TIMES

في سن الـ 40 .. هيونداي تتحول إلى سيارات النُخبة

في سن الـ 40 .. هيونداي تتحول إلى سيارات النُخبة

في سن الـ 40 .. هيونداي تتحول إلى سيارات النُخبة

في سن الـ 40 .. هيونداي تتحول إلى سيارات النُخبة

طريق جيونجبو السريع الممتد 266 ميلار بين سيئول وبوسان، يتلوى مثل الأفعى. كان هذا الطريق أحد مفاخر شونج يو يونج، مؤسس مجموعة هيونداي. لكن عندما افتتح عام 1970، سخر بعض الناس من قرار كوريا الجنوبية بناء طريق مكون من ثمانية مسارات عبر اثنتين من السلاسل الجبلية، لأن هذه الدولة الفقيرة تحتوي على 60 ألف سيارة فقط. وعند افتتاح هذه الطريق، وجه الرئيس الكوري الجنوبي، بارك شونج-هي، سؤالاً إلى شونج قائلاً: "ماذا تعرف عن صناعة السيارات؟". فأجاب شونج، حسب الرواية: "أستطيع أن أفعل ذلك". لكن في الحقيقة كان شونج منهمكاً بتجميع السيارات لمدة سنتين، ولم يكن يتوقع أحد في حينه مدى التحولات التي ستحدث لهيونداي في العقود الأربعة المقبلة. واليوم يزدحم طريق شونج بملايين السيارات سنويا، وهي سيارات صنعتها المجموعة التي أسسها. وهناك ملايين من سيارات هيونداي الأخرى التي تتزايد أعدادها حول العالم، لتثبت أن هذه الشركة تطورت لتصبح خامس أكبر شركة في صناعة السيارات في العالم من حيث المبيعات. #2# #3# تغيير ثقافي ويراقب المستثمرون اليوم الشركة عن قرب وهي تتخذ مبادرة استراتيجية جديدة تعتبر درة التاج في إمبراطورية هيونداي. ستبعد هذه الاستراتيجية هيونداي عن التركيز على نمو المبيعات وتحولها إلى هامش الأرباح السمينة، المرتبطة بعلامة تجارية ممتازة. ويعتبر هذا تغيراً ثقافياً متطرفاً بالنسبة لشركة اشتهرت بنموها الذي يخطف الأنفاس، إذ ارتفع إنتاجها مع شريكتها كيا موتورز إلى 7.1 مليون سيارة عام 2010، بعد أن كان أكثر قليلاً من مليونين في عام 2000. والآن تنظر هيونداي باتجاه تعديلات دقيقة للنوعية، واضعة في حسبانها، قبل البدء ببناء قدرات جديدة، خبرة "تويوتا" الكارثية في أزمة استدعاء السيارات التي حدثت عام 2010. وكان من الممكن أن تبدو فكرة هيونداي لصناعة سيارات للنخبة خياراً سخيفاً عندما تولى شونج مونج كو، الابن الأكبر لمؤسس الشركة، رئاسة مجلس إدارة مجموعة السيارات عام 1998. فقد بدأت الشركة نشاطها بتجميع سيارات فورد من أطقم قطعها، ثم أنتجت أول سيارة تحت اسم علامتها التجارية "بوني" عام 1975. ومكنت سيارة بوني هيونداي من دخول سوق التصدير، لكن لم يكن لديها الكثير لتقدمه سوى سعرها الرخيص. وبعد عدة عقود من إنتاجها، وصفتها صحيفة "جلوب آند ميل" الكندية بأنها واحدة من أسوأ عشر سيارات بيعت في البلاد، وأنها تشبه "سيارة هوندا سيفيك، صنعها في مرآب خلفي أحد الحدادين السكارى". وكانت سمعة الشركة في الخارج لا تزال سيئة عندما تولى شونج مونج كو دفة السفينة، وهو تعيين اعتبره مهيناً في حقه، خاصة بعد أن ورث أخوه الأصغر رئاسة المجموعة الأم. وفي الداخل واجهت هيونداي صعوبات في دمج منافستها كيا، التي تم إنقاذها من عملية إفلاس وشيكة أثناء الأزمة المالية الآسيوية عام 1997/1998، وهي فترة عاصفة أثارت القلق على قدرات هيونداي المالية. وكانت عملية التخلص من صورة هيونداي "الرخيصة والرديئة" في أكبر سوق للسيارات في العالم، مسألة بالغة الأهمية. قال تشو وون هونج، كبير الإداريين التسويقيين في هيونداي: "أدركت الإدارة العليا في الشركة أنه لاختراق السوق الأمريكية، يجب التغلب أولاً على مشاكل النوعية. لم نكن من اللاعبين الأقوياء في السوق، كنا فقط واحداً من اللاعبين الثانويين". نقطة التحول وجاءت نقطة التحول في 1999، مع قدوم لحظة عبقرية في التسويق، أُعلن فيها عن ضمان سيارات هيونداي لمدة عشر سنوات، أو أول 100 ألف ميل، الذي اعتبر من أكثر العروض كرماً في السوق، وساعد في محو السمعة السيئة للمجموعة المرتبطة برداءة الصنع. وفي الوقت نفسه، أسست الشركة قسماً لمراقبة الجودة، هاجسه مراقبة كل مرحلة من سلسلة التوريد. وبعد ذلك أظهرت دراسة عن النوعية أجرتها "جي دي باورز" أن شركة هيونداي لصناعة السيارات أصبحت بحلول عام 2006، الثالثة من حيث الموثوقية بالأداء في العالم، وتأتي مباشرة بعد كل من بورش وليكزس في هذا المجال. وفي الوقت الذي أخذت فيه هيونداي وكيا تخلعان رداء سمعتها "السيئة"، بقيت السيارات التي تنتجانها رخيصة الثمن. ويعود الفضل في ذلك إلى السيطرة المشددة على التكاليف وشبكة الموردين التي خُلِب لبها. وحصدت الشركة فوائد جمة بعد الأزمة المالية عام 2008. كذلك أقدمت هيونداي على خطوة تسويقية عبقرية أخرى في السوق الأمريكية، عندما قدمت عرضاً يكفل إعادة ثمن السيارة للزبائن القلقين من فقدانهم لوظائفهم. وفي الوقت الذي تراجعت فيه شركات السيارات الأخرى بسبب الجيشان الاقتصادي، تمتعت كل من هيونداي وكيا مجتمعتين بنمو مبيعاتهما العالمية من السيارات بنسبة تزيد على 20 في المائة في عامي 2009 و2010. ضربة حظ ويقول إنجلبرت ويمر، من شركة الاستشارات "بولاري إكس بارتنر": "كانت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008-2009 بمثابة ضربة حظ للشركة، حيث بدأ الزبائن بالبحث عن بدائل رخيصة، وأصبح فجأة مبدأ النوعية الجيدة مع الثمن الرخيص يجد تجاوباً في كل مكان". ومنذ أن تولى تشونج مقاليد القيادة، ازدادت المبيعات السنوية من هيونداي وكيا أكثر من 600 في المائة. لكن هذا العام حذر تشونج المساهمين في الشركتين بأن عليهم أن يتوقعوا نموا في الإيرادات بنسبة 4 في المائة فقط – وهو أضعف معدل منذ عقد من الزمن. فهل يعني هذا نهاية سنوات من النمو المذهل بالنسبة للشركتين، أم أنه مجرد مرحلة تبدأ بعدها هيونداي القتال بمنتهى الحماس من أجل الاعتراف بها على أنها شركة لصناعة السيارات من النوعية العالية؟ وصوت المضخات الهيدروليكية يملأ الهواء، إنه الصوت الناتج من عمل جيش من الروبوتات التي تمرر الصفائح المعدنية فيما بينها، ثم تقوم بضغطها وتقطيعها وثنيها واحدة بعد أخرى. وتتم معالجة نحو 200 طن من الفولاذ يوميا في مصنع آسان هيونداي، الواقع على بعد 100 كيلومتر جنوب سيئول، بمشاركة 35 فقط من العاملين في النوبة الواحدة. وهم معينون لأدوار مساندة تتعلق بتثبيت المفصلات وفحص العيوب. درس «تويوتا» وافتتح هذا المصنع عام 1994، وهو النسخة المتطورة الأحدث عن مصنع هيونداي في أولسان، أكبر مصنع للسيارات في العالم. والآن تتفوق شبكة من مصانع هيونداي وكيا في الخارج على مصانعهما المحلية من حيث الإنتاج. وشهدت المصانع الخارجية توسعا في العقد الماضي، لتصبح 15 مصنعاً منتشرة في أربع قارات. لكن يبدو أن عمليات التوسع عُلقت بصورة مؤقتة، إذ لا توجد خطط معلنة لإضافة معامل جديدة للشبكة الخارجية، رغم أن هيونداي تفكر بفتح مصنع رابع في الصين. وتأتي هذه القيود على التوسع، بعد عمليات استدعاء للسيارات عرّضت شركة تويوتا للأذى، عندما أجبرت مشاكل السلامة الشركة اليابانية على سحب ملايين السيارات. ويلقي بعضهم اللوم في ذلك على التوسع الزائد والسريع الذي قامت به المجموعة اليابانية. ويقول تشو في هذا الخصوص: "تعلمنا دروساً من قضية تويوتا، كنا نتحرك بسرعة كبيرة في السنوات العشر الماضية، ونعتقد الآن أن الوقت حان كي نضع بصمتنا بالتركيز على النمو النوعي أكثر من النمو الكمي". شهادة ألمانية ولاحظ منافسو هيونداي التحسن في نوعية سياراتها. ففي معرض للسيارات في فرانكفورت عام 2011، صُوِّر الرئيس التنفيذي لشركة فولكسفاجن، مارتن فينتركورن، وهو يقبض غاضباً على مقود لمعدل عجلة القيادة لسيارة هيونداي موديل آي 130 هاتش باك، ويقول شاكياً: "إنه لا يهتز، بي إم دبليو لا تستطيع عمل ذلك، ونحن لا نستطيع عمل ذلك". ويجيب عليه كلاوس بيشوف، رئيس المصممين في فولكسفاجن بقوله: "كان لدينا الحل، ولكنه كان مكلفاً فوق الحد"، ثم سأل فينتركورن مرة أخرى: "إذن كيف استطاعوا عمل ذلك؟". وتقع الإجابة على هذا السؤال جزئياً على وضع هيونداي باعتبارها الشركة الرمز في ثاني أكبر مجموعة من الشركات التي تعود ملكيتها لعائلة في كوريا الجنوبية. وتتم صناعة الألواح الخارجية لسيارات هيونداي وكيا من معادن توردها مصانع هيونداي ستيل، ويتم طرقها وتشكيلها بواسطة هيونداي هايسكو، وتزود هيونداي موبيس أجزاء أخرى تراوح من الصدامات إلى الأكياس الهوائية. وتقوم هيونداي جلوفيس بنقل العربات المكتملة إلى المستهلكين الذين يستطيعون شراءها بتمويل من هيونداي كابيتال. ويقول ويمر: "تخيل سيارتين من سيارات لعبة الجولف، واحدة بيعت باعتبارها موديلا أوروبيا وواحدة اتبعت الطريقة الكورية، ينتج الموديل الكوري عربة مع توفير نحو 4500 يورو على المشتري النهائي". لكن التركيز على استراتيجية مضاربة الأسعار مع المنافسة سيؤدي في النهاية إلى "التوقف عن ذلك بصورة مبكرة جداً. يجب أن يكون سعيهم موجهاً نحو السيارات الراقية". جاذبية وأناقة وفي نطاق سعي هيونداي لتحقيق الجاذبية التي تتمتع بها السيارات الألمانية الراقية، عملت على استلاب العاملين الذين صنعوا هذه الجاذبية. فمراكز التصميم التابعة لها في كاليفورنيا وفرانكفورت يشرف عليها رجال جاؤوا من مصانع بي إم دبليو. واستطاعت كيا أن تحدث أكبر انقلاب في عام 2006 باستخدام بيتر شريير، كبير المصممين في شركة أودي، الذي عمل على إضفاء الأناقة والشكل الرياضي على سيارات الشركة. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أصبح بيتر أول واحد من خمسة رؤساء في مجموعة هيونداي موتور من غير الكوريين. أما فيردناند بييش، رئيس شركة فولكسفاجن التي تمتلك أيضاَ أودي، فقد أخبر مجلة "أوتوموتيف نيوز" في السنة الماضية قوله: "كان علينا عدم السماح له بالذهاب". ويقول لاري دومينيك، رئيس مجموعة الأبحاث "في إي إل جي": "في سعيها المتزايد نحو الأشكال الأكثر أناقة، رفعت هيونداي علامتين تجاريتين سابقتين من السيارات غير المميزة إلى مرتبة أعلى من الأناقة". وساعد ذلك هيونداي على أن تشرع سيارة الصالون "جينيسيز" بعمليات اختراق للجانب الأرخص في سوق السيارات الراقية. لكن دومينيك يضيف أن زبائن هذه السيارة اليوم في الأغلب هم من الفئة الأصغر من الشباب أو الأقل ثراءً من مشتري سيارات بي إم دبليو، أو سيارات مرسيدس اللتين تتفوقان بالأداء الأفضل. وعلى الرغم من التقدم في تقوية سمعة كل من هيونداي وكيا، إلا أنهما ما زالتا تعانيان بعض الأخطاء. ففي تشرين الثاني (نوفمبر)، اعترفت الشركة بأنها بالغت في الدعاية بخصوص كفاءة الوقود في سياراتها التي باعت منها مليون سيارة في أمريكا الشمالية. وبعد ستة أشهر اضطرت لاستدعاء أكثر من مليوني سيارة في أمريكا الشمالية وكوريا الجنوبية بعد اكتشافها مشاكل في مفتاح إضاءة الكوابح. ويقول فيليب هوشوا، وهو محلل في "يو بي إس": "لسوء الحظ الاستدعاء جزء من العمل في هذا المجال، لا أعتقد أنهم أسوأ حالاً من الشركات المناظرة لهم". قلق وإضرابات لكن هناك مجال تخلفت فيه هذه الشركة عن منافسيها بشكل واضح، وهو علاقتها بعامليها في مصانعها المحلية التي عانت حالات منتظمة من التوقف عن العمل في السنوات الماضية. وقد مضت ثلاث سنوات على التوالي دون حدوث أي إضراب للعاملين في الشركة، الأمر الذي رفع من آمال المساهمين، لكن هيونداي جلبت على نفسها بعد ذلك أكثر الإضرابات تكلفة، عندما سببت إضرابات خسائر للشركة قدرت بـ 1.7 تريليون وون (1.5 مليار دولار). وفي الأشهر الثلاثة الماضية سببت إضرابات جزئية لعاملين في عطلة نهاية الأسبوع خسائر قدرت بلغت نحو 1.6 تريليون وون. وتوفر أسواق العملة مزيداً من أسباب القلق حول ذلك، فقد ارتفع الوون الكوري مقابل الدولار بشكل مستمر في السنة الماضية، وفي الوقت نفسه ارتفع الوون بصورة دراماتيكية أمام الين الياباني. وجاء الرد من المساهمين: وهو انخفاض سعر أسهم هيونداي بنسبة 14 في المائة وكيا بنسبة 27 في المائة، بينما ارتفعت أسهم تويوتا بنسبة 106 في المائة. وبعض المساهمين قلقون من قصور في الالتزام بضوابط الإدارة الرشيدة في الشركة، إذ لا يخضع رئيس مجلس الإدارة للمساءلة. ويقول نقاد الشركة إن دوافع الاستحواذ على شركة هيونداي للهندسة والإنشاءات الذي بلغت تكلفته أربعة مليارات دولار عام 2011، كانت عائدة لتفاخر العائلة المالكة للشركة وليس قيمة مضافة لحملة الأسهم فيها. وستزداد هذه الأصوات قوة إذا فشل شونج أوي صن، ابن رئيس الشركة وولي العهد المفترض، بالارتقاء لمستوى الأب البالغ من العمر 75 عاماً. لكن هذا الشاب كان رئيساً لشركة كيا بين عامي 2005 و2009، عندما بدأت الشركة تحولاتها الجادة بمنتهى الحماس. وبالنسبة لعلماء مركز أبحاث هيونداي الواقع جنوب سيئول، فليس لديهم من الوقت ما يضيعونه في القلق على المشاكل قريبة الأجل. فقد أصبحت هيونداي هذه السنة أول صانع سيارات ينجز خط تجميع إنتاج سيارات تعمل على خلايا وقود الهيدروجين. ويقول ليم تيم وون، رئيس فريق أبحاث خلايا وقود الهيدروجين في الشركة: "نحن لا نعتقد بأننا سنكسب كثيرا من تكنولوجيتنا الخاصة بخلايا الوقود خلال السنوات العشر المقبلة". لكن هيونداي تسبق منافسيها في هذا المجال، وتتوقع بناء ألف نسخة من سيارات خلايا الوقود من موديل آي إكس 35 بحلول عام 2015. ويضيف: "هذه ثقافة كورية، نحن نتطلع دائماً لتحقيق بعض الإنجازات، لدينا حلم بأن نصبح يوماً أفضل شركات صناعة السيارات في العالم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES