Author

ماذا يدور في عقل بشار ..محاولة تحليلية عقلية

|
.. في بريطانيا كان ''بشار'' يدرس الطب في دولة مناخها الديمقراطية العتيقة، ديمقراطية هي أقدم ما نعرفه من الديمقراطيات التي استمر عليها المفهوم العالمي منذ ''الماجنا كارتا'' أو لائحة نصوص دستورية توزع السلطات بين الملكية وإدارة الدولة ودور الشعب منذ القرن الثاني عشر.. يعني قبل أن تصحو كل أوروبا من سباتها. هذه العراقة البريطانية الديمقراطية يتشرّبها الإنسان وهو في الربوع البريطانية في كل شيء، كما يقول نهرو زعيم الهند الأسبق وفيلسوفها الكبير ''سر بريطانيا ديمقراطية تجري شرياناً دموياً مباشراً لقلب الأمة، وتبدو جليّةً من الطابور للطابور''. فعلا من أول وصولك لبريطانيا يجب أن تحترم برهبة نفسانية تلقائية مكانك في الطابور. ما كان يُكتب عن هذا الشاب المفرط الطول الممتد الرقبة قليل جداً في صحف التابلويد على عكس كثير من الشخصيات الكبيرة العربية أو أولادهم. كان حيياً مجتهداً، وكان الشوام بالكاد يعرفونه فهو الطائر الذي خرج عن التشكيلة الأسدية كلها .. لذا كان قرارا الأم الحديدية والأب الفولاذي أن يدرس في الخارج، ويعيش حياته حسب طبعه. وذهب الشاب بشار لدراسة الطب وتشرّب الحياة في بريطانيا، وقد انتقد مرة طريقة الحكم الحديدية بمهرجان طلابي بدون - طبعا - أن يشير لحكم معين. إن زواجه من بريطانية من أصل سوري يدل على انغماسه في الفهم البريطاني لبرمجة الحياة التي يريدها، وربما كان يخطط أن يعيشها بقية حياته. وكان في دمشق وحش مفلوت هو أخوه باسل، على عكسه تماماً، كان يسمى فحل كتائب الأسد، يعيش جواً من الوهم السلطوي القبضاي على الطريقة السورية إلا أن حارته كل سورية، وكانت من المشاهد العادية أن يستعرض باسل جبروته وتضخمه الأنوي في جادات وشوارع دمشق بسيارات فخمة وسيل من المواكب .. وهي في النهاية التي استلت روحه، فكانت الخسارة العظمى لعائلة الأسد الحديدية، ومات حافظ الأسد، هو ميت نفسياً داخلياً لفقد ابنه المفضل والصورة الجينية المطابقة له. كان بشار حينها في لندن لا يطمع في شيء إلا أن يرفل بحياته التي يحبها، ويكنُّ قبولاً لحياة البريطانيين، وخرج عن الإطار السوري الذي يرتبط، خصوصاً بعقوده الأخيرة بعد الاستقلال من فرنسا بالعسكرة الفكرية، وبنحت كامل للتوجّه العروبي القوي، وثقافة كادت أن تكون وحيدة في اعتماد العربية مما جعل دمشق منبعاً لأهم شعراء وكُتاب النثر الأدبي في العالم العربي. بشار حصد الثقافة الإنجليزية مبتعداً عن العربية، والتبعية الفرنسية التي سادت فترات بسورية. وهنا كان بشار لم تسول له نفسه أن يقف بطابور الحكم، وخصوصاً أن هناك مَن ''فضحه'' عند عائلته بأنه ميّال للفهم الغربي ويتحسّس من النظام العسكري الشمولي .. لكن أمور الدنيا لا تضبط بالمسطرة والفرجار. فبعد موت الأب، وفقدان ولي العهد فدولة الأسد تتوارث بها السلطة بامتياز، وقوة العائلة الحديدية هيمنت على سورية عموماً، وعلى الدائرة ''المشاركة'' في دائرة الرئيس خصوصاً، ولم يجرؤ أحد أن يفكر في رئيس من غير أبناء حافظ الأسد الرهيب. ووصل بشار بلا طابور. كتبت صحف العالم محتجة على طريقة تعيينه بتبديل نصوص دستور الأمة من أجله، ولم تخف فرحة وامضة أنه ابن الغرب، وأن سورية ستكون بعهدٍ جديد أقرب للغرب. وبالبدء كان هذا بالفعل .. العجيب ما حصل بعد ذلك. عقل بشار كان يحمل أسراراً عن تركيبه الجيني لم يكن يعلمها هو، لكن آمن بها أشخاصٌ كِبار في السلطة، وعملوا بدهاء لخطة فيها من الدهاء السياسي، والعلم النفساني، والتأثير العقلي ما يستحق أكثر من الدهشة.. الخطة كانت تحويل عقل بشار إلى عقل وحش سياسي، ومن الذين عملوا على هذه المهمة الكبرى شخصيات الآن تخرج بالإعلام ضده. في بشار استيقظت من عملية التحويل المستمرة والمكثفة ''الوحشية الخفية''، يبدو ناعماً أنيقاً ببزته الغربية ولم يكن كأبيه وأخيه باسل بمظهر عسكري جاف، بل كأي زعيم عصري، وبالداخل بُنيت شخصيةٌ أخرى عملت على تغييره لينقلب سفاحاً بامتياز. ولنذهب مع العقلية البشارية، إنه يحارب مجموعات دخلت البلاد، إلا أن صفة السفاح تبقى ماثلة بأي حال. بشار تعلّم البلاغة الخطابية التي جعلته في العربية يعتقد أنه يقنع الحجر الغافل. ولكنه في كل لقاء بالإنجليزية تخذله تلك البلاغة لأنه يرجع بلغته لمحصولاته الإنجليزية التي تكون خلواً من الإبهار اللفظي، مع عقلية تعتقد أنها قادرة على التحكم في النقاش، ويأتي أكبر إحراج له دائما في اللقاءات الأجنبية. لم يبق متسعٌ، إلا كي أستنتج أن عقلية بشار وشخصيته مُسختا تماماً، وحسب المدرسة السلوكية النفسانية المبنية على شخصية الطيب والشرير في جسد واحد من حكاية ''د. جيكل ومستر هايد'' نُفِضَتْ تماماً الشخصية اللينة في بشار، وتمترست الشخصية القاسية، وهنا يكون المتحول أشد تعصباً وأقوى ممارسة لما تحوّل إليه. وهذا ما قُدم لسورية والعالم .. بشار الأسد القاسي المتعصب والمتضخم الأنا.. شخصية مبدؤها العميق: ''علي .. وعلى أعدائي!''.
إنشرها