Author

27 جاسوسا

|
أعلنت وزارة الداخلية القبض على عشرة أشخاص متهمين بتنفيذ أعمال تجسس لمصلحة الاستخبارات الإيرانية، يضاف هؤلاء إلى 18 شخصا قبض عليهم قبل فترة، تم إخلاء سبيل أحدهم لعدم ثبوت التهمة عليه، وهو من الجنسية اللبنانية. الأغلبية يحملون الجنسية السعودية، مع الأسف. كتبت مقالا عن المجموعة التي تم القبض عليها في المرحلة الأولى، حاول بعض المعلقين على المقال أن يرموا الجهات الأمنية بالاستعجال في إعلان القبض على المتهمين، بل أكدوا أن أغلبهم أبرياء. القاعدة القانونية المعتبرة هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أطلق الكثيرون تغريدات في هذا الاتجاه، ولست ممن يؤمنون بتجريم المتهمين أبداً، لكنني مقتنع أن وزارة الداخلية والجهات الاستخبارية لن تتحرك إلا بناء على معلومات دقيقة، وذلك لأسباب عدة: أولها: أن مثل هذا الإجراء ''في حالة عدم صحته'' يمكن أن ''بل'' سيتسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين، والمملكة معروفة بحرصها الشديد على المحافظة على علاقات دبلوماسية مرنة بحكم موقعها الديني والاقتصادي والسياسي، بل تتحمل بعض التصرفات التي قد يكون الهدف منها الإساءة لسمعتها ومركزها، والتي تتعمدها بعض الدول كما هو معروف لدى الجميع. الثاني: أن أغلبية المتهمين هم من ذوي المؤهلات العليا، ويعملون في وظائف مرموقة، ومن أسر كبيرة، وهذا يؤثر في سمعتهم ويثير التساؤلات حولهم، كما حدث خلال تلك الفترة. إضافة إلى أن الدولة لا تستعدي أحداً من مواطنيها. بل إن هناك الكثير من الشواهد التي تدل على العفو والصفح عن الكثير من الإساءات التي تنتشر هنا وهناك. ثالثاً: أن الكشف عن الشبكات التجسسية في وقت مبكر قد يؤدي إلى التعامل مع جزء من المشكلة، مع بقاء من يمكن اعتبارهم العقول المدبرة والقيادات المركزية خارج دائرة المراقبة، وبالتالي استفحال خطر الشبكات من خلال تنفيذ إجراءات وقائية تحمي اتصالاتها وعملائها. رابعاً: أكدت القدرات السعودية تفوقاً كبيراً في اختراق هذه الشبكات بطريقة احترافية نالت إعجاب أكبر المؤسسات الاستخبارية الدولية، ولعل مما رشح على السطح كشف الأجهزة السعودية شبكات من هذا النوع، وتحذيرها لدول كبرى تنفق على أجهزتها الاستخبارية مبالغ تفوق ما تنفقه المملكة بمئات المرات وتوظف أعداداً هائلة من الخبراء والمختصين والبرامج الحاسوبية وأنظمة الرقابة على الاتصالات. خامساً: أن الكشف عن الشبكات التجسسية يستدعي مجموعة من الإجراءات بين جهات حكومية عدة لكل منها مجال ومنطقة حركة مختلفة، ومن المهم وجود الدعم الفني والإداري والتقني، وحماية العمل من التضارب الذي قد يشتت الجهود أو يسيء إلى أعمال تتم في قطاع آخر. سادساً: أن الاستهداف في واقعه جهد معاد يستهدف جزئيات مختلفة من منظومة الحكومة والمجتمع والبنية التحتية، وهذا يعني أن المستهدفين قد يكونون على جهل بما يحدث في مواقع أخرى. ولهذا لا بد من السيطرة على نقاط التلاقي بين مختلف العاملين في الجهد المعادي. يمكن أن نعزو الكثير من الأعمال المعادية الخطيرة إلى التقنية، وهي أكبر الأخطار التي تواجه جهات العمل الأمني، وهي مشكلة تعانيها جميع دول العالم، بل إن الكثير من المنظمات الاستخبارية العالمية تعتقد أن هناك عمليات اختراق للشبكات ونشر للفيروسات موجودة حالياً في كثير من الدول لكنها غير مكتشفة. هذا يعني أن العمل الجاسوسي في مجال الإنترنت وأنظمة وشبكات الحاسب الآلي، قد لا يكون معلوماً بالنسبة للجهة المستهدفة إلا عندما يتم اكتشافها بسبب خطأ أو عملية لتدمير أو إعاقة جزء معين من المنظومة المعلوماتية. ولهذا صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الذي ألقاه في شباط (فبراير) الماضي عن حالة الاتحاد، أن واحدا من أهم احتياجات الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة هو خطة استراتيجية لأمن المعلومات، ترصد لها مبالغ مالية كبيرة لحماية مختلف مكونات الدولة من الاختراق أو التدمير أو الإعاقة. كل ما سبق يعني أن هناك حاجة ماسة إلى استمرار العمل الوطني لضمان أمن المملكة، عمل تسهم فيه الجهات الأمنية والجهات العلمية والبحثية، ويسهم فيه المواطن كعنصر أساس في حماية وطنه لأنه المستهدف النهائي في عمليات التجسس تلك، وهو الهدف الذي ترمي لحمايته الجهات الأمنية. كما أن هذا يستدعي منا جميعاً أن نقف احتراماً للجهد الذي تبذله أجهزة أمن الدولة، والترفع عما ينشر هنا أو هناك من انتقادات أو اتهامات للجهاز الأمني، بل رفض كل ما يسيء لجهود الدولة في حماية الناس. فالأمن قضية أولى وأهم ولا بد أن نتعاون جميعاً في سبيل ضمان توطيدها. إن ضمان القبض على كل الشبكات التخريبية والتجسسية لن يكون سوى باستخدام الوسائل الملائمة. تؤمن كل دول العالم بأهمية الحماية، فعمليات مراقبة الاتصالات ومراقبة دخول الأفراد وخروجهم، وتكوين القوائم البيضاء والقوائم السوداء هي أجزاء من منظومة متكاملة تنفذها كل دول العالم، فكيف يستغرب البعض على الجهة الأمنية أن تراقب الاتصالات، خصوصاً عندما يكون الهدف هو المحافظة على أمن الوطن، والوطن كما لاحظ الجميع، مستهدف من قبل جهات أجنبية ظاهرة كما في المجموعة التي تم القبض عليها، وقد تكون مستهدفة من قبل جهات أخرى لا نعلم عنها. لرجال أمننا أقول: ''وفقكم الله وأعانكم على أداء مهامكم الكبرى في حماية الوطن والمواطن''.
إنشرها