Author

القطة يا شباب

|
تواجه وزارة الصحة أزمة علاقات عامة حقيقية. تعمق سلبية حال منشآت الوزارة الهوة القائمة في الثقة بين المجتمع وجهات الخدمة الصحية التي أسست لخدمته. أؤكد هنا على قضية خدمة المجتمع الذي مفرده الأساس هو ''المواطن''، إن أي مسؤول أو جهة خدمية تنظر للمواطن واحتياجاته بازدراء، إنما تخرب بيتها بنفسها، ذلك أن مرئيات المواطن تصل إلى أعلى المستويات. لعل متابعة الصحافة وما تكشفه وسائل التواصل الاجتماعي من مخالفات، وكثافة مستخدميها، تعجل بإغلاق نعش الثقة بين المواطن وجهات الخدمة الصحية. لينصب أي جهد يبذل لتحسين العلاقة، في خانة الإساءة لها من خلال التشكيك في النوايا والتركيز على النصف ''الفارغ'' من الكوب. يكتشف الباحث في أخبار وملاحظات وتقارير الإعلام، وما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الحالات المبكية والمضحكة، وتلك التي تحمل طابعا ساخرا مؤسفا. انتشرت في الفترة الأخيرة أخبار وتغريدات تتحدث عن مستشفى الأمل للصحة النفسية في الرياض يمكن اعتبارها من النوع الأخير. على أنه لا بد أن تكون هناك قصص داخل المستشفي تعكس واقعاً مختلفاً. ظننت أول مرة أمر أمام السكن الخاص بموظفي المستشفى، وقبل أن أقرأ لوحته، أنه سكن يخص كبار موظفي إحدى الشركات. تغيرت نظرتي بعد أن قرأت اللوحة لأغبط الموظفين، الذين يسكنون داخله في واحد من أرقى أحياء الرياض، ولا يحتاجون أكثر من دقائق للوصول إلى مقر عملهم، وهي رحمة كبرى في مدينة الرياض، التي قد لا يصل الحائزون عليها أكثر من واحد من كل ألف موظف. وجدتني بعد هذا الاكتشاف، أربط بين الكثير من التغريدات وحال الموظفين، الذين يبدو أنهم أكثر حرصاً على المرضى من التنظيم system. يقوم الموظفون بجمع ''قطَّات'' ليس لإقامة حفلات أو دعم زميل أو زميلة. وإنما لتوفير احتياجات المرضى النفسيين الذين لا يجدون ملابس ملائمة لمقاساتهم أو مخدات وبطانيات لأسرتهم، أو توفير حلويات وعصائر ووجبات طعام للمرضى، بل حتى الإبر المهدئة والأدوية التي يحتاجها المرضى، كما ورد في صحيفة ''الحياة''. هل يعقل أن يحدث هذا في المملكة، حيث تبلغ ميزانية الصحة أكثر من 200 مليار ريال؟ سؤال محير! يلاحظ أن هذه السلبية منتشرة في مختلف قطاعات وزارة الصحة. كنا نشكو في الماضي من قضايا الأخطاء الطبية وانتشارها بشكل لا يمكن السكوت عليه، ثم ظهرت لنا قضايا الشهادات ''المضروبة''، ثم ظهرت الجزئيات المتعلقة بالنواحي النفسية والاجتماعية وقيم التعامل مع الجمهور المستهدف بالخدمة. ثم قضية ''القطة''، التي نشد بدورنا على يد الموظفين الذين تبنوها ليجعلوا حياة المريض داخل المستشفى أسهل، ويحسسوه بإنسانيته. لكنها يجب أن تكون من قبل الوزارة كجهة مسؤولة عن الخدمة الصحية وكل من يعمل بها أو يستفيد من خدمتها. يعمل وزير الصحة لتحسين صورة الوزارة ومنشآتها، نرى في كثير من المستشفيات لوحات وإعلانات تنشر مفاهيم الرؤية والرسالة والقيم، التي تؤمن بها المنشأة. تسقط كل هذه المثاليات والنظريات عندما تخضعها لأزمة واحدة، مما يؤسس لعلاقة شائكة مع جمهور المستفيدين، ويخلق أعداءً كان يمكن أن يكونوا أصدقاء في الأزمات. إن وضع المفاهيم على ورق لا بد أن يسبقه ويتماشى معه ترسيخها في السلوك والعقول، بدءاً من أعلى المسؤولين. أول ما يسيء للرؤية والرسالة وقيم المنشأة هو عدم الالتزام بها من قبل المسؤول الأعلى. بعد ترسيخ المفاهيم، يأتي دور الاعتراف بالخطأ بدلاً من ربطه بالبيئة أو المجتمع أو سلوكيات الناس، حتى إن كان المسؤول بصحة موقفه، فتحمل المسؤولية ومواجهة الناس والمشكلات هو الوسيلة الوحيدة لحلها. إن جهود الوزير لا تكفي لتغيير الواقع المرير ما لم تكن جزءاً من خطة وتنظيم منسق يحقق الهدف المنشود. يجب أن تعتمد جهود الوزارة على إعداد الإحصائيات، والواقعية في التعرف على المشكلات، وتنظيم كل الجهود في إطار واحد متكامل يقتنع به الجميع، وتوزع المهام فيه على كل المستويات ليتحول الجهد الشخصي إلى عمل مؤسسي. عمل مؤسسي يمكن من خلاله أن نستبين رأي الجمهور في الخدمة قبل أن يقع ''الفأس في الرأس''، أو نشاهد مناظر مثل ما حدث في مجمع الأمل ''نفسه'' عندما قرأ مسؤولوه تقريراً يتحدث عن سوء حال المريضات المدمنات والإهمال الإداري وتجاوزات مالية وقسوة المشرفات. عندها أرسل عدد من موظفي وموظفات مجمَّع الأمل صوراً لما قامت به إدارة المجمَّع من عمليات سريعة للتنظيف، وتركيب أسرَّة جديدة، ودهان الجدران، وتقليم الأشجار، وغسيل الممرَّات، ووضع أقفاص لجمع وصيد القطط من أجنحة المجمع. كما نقلت صحيفة ''سبق''. أعتقد أن أكبر عنصر يجب أن يحوز اهتمام مسؤولي التخطيط في الوزارة هو وضع هدف عام ينص على ''استعادة ثقة الجمهور بالوزارة ومنشآتها وتحسين العلاقة مع المجتمع''. يأتي في إطار هذا الهدف ما لا يقل عن عشرة أهداف محددة SMART، ويعرف مختصو التخطيط معنى أن تنطبق على الهدف معايير SMART، وأهمها إيجاد قاعدة بيانية إحصائية توضح وضع الوزارة الآن في عيون الجمهور، لتكون منطلقاً لتكوين الوضع المستهدف واختيار مؤشرات كفاءة الأداء التي تحقق هذا الهدف الحيوي والأساسي لبقاء الوزارة ونجاحها.
إنشرها