Author

الحرص على تنفيذ الأمر الملكي.. يا وزارة العمل

|
في الأصل يجب علينا جميعاً أن نحرص على تطبيق الأنظمة، لأن الأنظمة ـــ في الدول المتحضرة ــــ لا تصدر إلاّ للتطبيق من أجل نشر الأمن في ربوع البلاد وحماية الناس من الفوضى. وإذا كان المليك المفدى قد أمر بثلاثة أشهر للتوفيق والتسويات، فإن الملك قد منح العمالة الوافدة وأصحاب العمل مكرمة يستحق عليها الثناء والدعاء. وعلى أصحاب العمل والعمال أن يغتنموا هذه الفرصة الكريمة ويبادروا بتوفيق أوضاعهم، وعلى كل من يخطئ في حق هذا البلد الخيّر ــــ بعد انقضاء وقت المكرمة الملكية ــــ فإنه يستحق كل الجزاءات المترتبة على مخالفة النظام. ومع إننى أعرف أن الكثير يعارض السياسة التي تنتهجها وزارة العمل حيال تصحيح أوضاع العمالة المخالفة للأنظمة والقوانين، إلاّ أنني أرجو من وزارة العمل أن تكون جادة وحريصة على تنفيذ النظام، فالوزارة لم توجد إلاّ من أجل تطبيق الأنظمة وحماية المواطن من الفوضى، أي أننا نطالب الوزارة بما هو مشروع، أمّا الذي يطالب به معارضو الوزارة فهو الشيء غير المشروع، فالأنظمة ـــ كما ذكرت ــــ صدرت في الأصل كي تنفذ ولم تصدر كي تعلق على الجدران الخرساء، ولذلك فإن من أهم سمات الدول المتقدمة هو حرصها على تنفيذ الأنظمة وإلاّ لما نالت لقب دول متقدمة. ودول الخليج يجب أن تعلن حالة الطوارئ إزاء قوافل المستقدمين التي انتشرت في كل مكان وجعلت الخليجيين أقلية في أوطانهم، لأن أخطر الأشياء على الإنسان أن يصبح غريباً في وطنه. إن الدولة صرفت أموالاً طائلة حتى تدعم البنى التحتية في المدن ونفذت مشاريع الطرق والمجاري والكهرباء والمياه والجسور والأنفاق والجامعات، ومع ذلك فما زلنا نعاني الاختناق المروري وشح المياه وانقطاع الكهرباء، ونعاني الازدحام، وكأننا لم ننفذ مشاريع البنى التحتية ولم نصرف أموالاً طائلة على مشاريع وبرامج التنمية. والسبب أن هناك نحو أربعة ملايين عامل يعيشون بين ظهرانينا وهو مخالف لنظام العمل والإقامة، وأسأل: بأي حق يطالب بعض المواطنين بضرورة إبقاء الأوضاع كما هي؟ إذا كانوا يظنون أن تطبيق الأنظمة سيؤدي إلى انتشار الكساد في أوصال اقتصادنا الوطني، فإننا نقول إن إبقاء الأوضاع كما هي سيؤدي إلى أزمة أكبر بكثير من الكساد. إن مشكلة الكساد لا ننكرها وحريصون على التعامل معها بحكمة وتدبير، ولكن ليس من خلال إهمال تطبيق الأنظمة. إن تطبيق الأنظمة وتصحيح الأوضاع الخاطئة سيسهم على المدى البعيد في القضاء على الكساد وفي تنشيط الاقتصاد. وكلنا يعرف أن بعض دول الخليج كانت تعترض على طلب المملكة خفض العمالة الأجنبية بنسبة 7 في المائة سنوياً، ولكن حينما وصلت نسب الخليجيين في أوطانهم إلى نحو 9 في المائة رجعت هذه الدول تطالب بضرورة وضع استراتيجية تقليص العمالة الأجنبية حتى تصل إلى أقل حد ممكن. لقد كتبنا كثيراً نشكو ضعف الرقابة الإدارية والمالية في مؤسسات الدولة وشكونا كثيراً من التسيب الإدارى والمالي، والآن قضية التسيب وعدم تطبيق الأنظمة تضع أجهزة الرقابة في موقف لا تحسد عليه، ولعلنا نتساءل: أين أجهزة الرقابة من تطبيق أنظمة الإقامة والعمل، ولماذا الكثير من الشركات الكبرى تستمرئ مخالفة الأنظمة وتوظيف العمالة غير النظامية، ولماذا معظم المؤسسات الصغيرة تعمل دون تراخيص، ولماذا لم تصل الرقابة إلى هذه المخالفات في الشركات الكبرى وتطالب بتطبيق العقوبات والجزاءات؟! إن ملايين العمال يعملون تحت الشمس وفي وضح النهار وهم مخالفون لأنظمة الإقامة والعمل، ومع ذلك لا تراهم أجهزة الرقابة ولا تسمع عنهم، وكأن الأمر لا يعنيها رغم أنه من صميم اختصاصاتها! لقد كان وزير العمل المهندس عادل فقيه يصرخ لوحده، وكأنه يصرخ في الصحراء الجرداء ويناشد أصحاب العمل بضرورة احترام الأنظمة والاستظلال بها لحماية المكتسبات التنموية دعماً لأمن الوطن والمواطن، وحرصاً على شباب الوطن. ولكن الكارثة أن وزير العمل وهو يدعو إلى هذه الفضيلة والحقوق كان جزاؤه سلسلة من الحملات والانتقادات الحادة واللاذعة من قبل أصحاب العمل، وحتى من بعض الإعلاميين. وما نستطيع أن نقوله هو أن الحملة التي قامت بها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة العمل نجحت نجاحاً مبهراً، وأكدت أهمية العمل من أجل تصحيح أوضاع العمالة الوافدة، لأن تصحيح أوضاع العمال الأجانب.. يعني تصحيح الكثير من الأخطاء التي يعانيها سوق العمل السعودي. المفروض في دولة ينتشر فيها التراحم كالسعودية ألا تتعارض مصلحة المواطن مع المصالح العليا للوطن، فإذا كان تصحيح الأوضاع للعمالة الأجنبية هو ضمن المصالح العليا للوطن، فإن على المواطن السعودي أن يعتبر التصحيح يحقق مصالحه الشخصية وينشر الاستقرار في محيطه، لأن تطبيق النظام لن يكون ـــ بأي حال من الأحوال ــــ لمصلحة الدولة وضد المواطن! لقد منح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فرصة ثلاثة أشهر لتصحيح أوضاع العمال، وقدّر جلالته ظروف العمال، كما راعى ظروف أصحاب العمل، ومطلوب الآن من العمال وأصحاب العمل أن يراعوا ظروف الدولة ويغتنموا هذه الفرصة الثمينة لتصحيح الأوضاع واحترام أنظمة الوطن. إن سوق العمل ظل لأكثر من نصف قرن وهو يعاني الاختراقات والمخالفات التي غيبت عن الحكومة أهم المعلومات الشفافة، وأتوقع أن تسفر هذه الحملة عن نتائج إيجابية كثيرة، وأن تكون طريقاً لإزالة التشوهات عن سوق العمل السعودي الذي ظل يعاني منها ردحاً طويلاً من الزمن.
إنشرها