Author

مدير نرجسيّ

|
النرجسية مرض عضال يصاب به الكثير ممن حصلوا على ما يريدون دون المرور بمراحل الكفاح المتدرج، هناك من يرون أنهم نوادر برغم توافر ظروف ملائمة أوصلتهم إلى حيث هم اليوم. الصفة الأساسية في الشخصية النرجسية هي الأنانية. يعشق النرجسي نفسه من حيث المظهر الخارجي، برغم إمكانية أن يشعر داخلياً بالنقص، فيعوض ذلك بالمظهر المبهر من الخارج لاإرادياً. يعمل النرجسي على تكوين صورة شخصية يميزها التفوق والذكاء، يستخدم في هذا وسائل غير أخلاقية أحياناً تشمل السخرية من الآخرين، أو التقليل من قيمتهم علناً أو في اللقاءات المنفردة. يغلب هذا السلوك في حالات شعوره بأن هناك من ينازعه مكانته التي يريدها، لذا نجد الكثير من النرجسيين يوجهون انتقادهم للأشخاص الأسوياء لمجرد الخوف منهم، أو الشعور بأنهم الأفضل. يفعل النرجسي ذلك من خلال التركيز على العيوب الخَلقية أو الوراثية إن لم يجد عيوباً شخصية وسلوكية في خصومه. يلاحظ الناس عيوب الشخصية النرجسية، ولهذا يكاد ينعدم انتشارها بين الأشخاص الذين يمكن أن يواجهوا النقد من مجتمعهم. يرجع ذلك لحقيقة أن كثرة تلقي النقد لسلوك معين يساهم في التخلص منه. يبقى الأشخاص الذين ''لا يحظون'' بالقدر نفسه من النقد، حيث تتأصل فيهم النرجسية بل إن الكثير ممن يتعاملون معهم ويحتاجون خدماتهم يسهمون في استفحال الحالة ''النرجسية'' بكثرة المديح و''الترفيع''. يغلب على الشخصية النرجسية العناية بالمظهر والأناقة. يدقق النرجسي كثيرا في اختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين ويحاول أن يثير إعجابهم. على أن هذا ليس مما يمكن اعتباره محافظة على النظافة والمظهر الحسن، بل إنه من المبالغة المكشوفة. نتذكر جميعاً شخصيات معينة كانت تلبس ملابس صارخة أو تسلك سلوكاً غير اعتيادي، أو تحرص على إظهار الخوف من الإصابة بالعدوى من قبيل إثارة فضول واهتمام الآخرين وجعلهم يشعرون بالدونية. هذا لا علاقة له بأمراض نفسية أخرى مثل ''الفوبيا''. التجاهل هو ما يزعج النرجسي و يستفزه. كل الأعمال التي تقدمت هي من قبيل البحث عن الاهتمام والتفرد به. نشاهد الكثير ممن يعانون هذه العقدة، يلجأون إلى حيل محددة لتفادي التجاهل. قد يقوم المسؤول بتكليف شخص آخر لحضور اجتماع عندما يشعر بأنه لن يكون محور الاهتمام. يحاول آخر الحضور ولكن بطريقة صادمة أو مختلفة لضمان جلب المزيد من الاهتمام. قد تصبح مثل هذه الأمور مثيرة للسخرية من قبل الأشخاص العاديين لكن النرجسي لا يشعر بذلك بسبب قصر تقبله الآراء على أشخاص محددين هم من يغذون نرجسيته. يستمتع النرجسي بالمديح وكلمات الإعجاب بل إنه في حالات كثيرة يدفع الأموال ليسمع الكلام الذي يسعده. يقوم المداحون بالعمل على ضمان أن يكون قولهم قريباً من قلب النرجسي، ولذلك تجدهم يبرعون في البحث عما يعجب النرجسي ليضمنوها أعمالهم ''المدحية'' التي تساهم في تكريس النرجسية وما يصاحبها من بعد عن الواقع. عندما تنجح محاولات المداحين في تغريب النرجسي عن الواقع الذي يعيشه، يتأثر الآخرون بذلك. يفقد النرجسي صلته بالواقع و الناس، وينطلق في فضائه الخاص الذي يدفع به إلى عوالم أخرى، أهمها عالم يمكن تسميته ''الفقاعة''. يصبح النرجسي حبيس فقاعة لا يستطيع الخروج منها، وإن أراد ذلك. يجمع داخل هذه الفقاعة الأشخاص الذين يغذون حبه للذات، ويغدق عليهم باعتبارهم الصفوة الذي فهموا شخصيته، وقدروا مواهبه ''السوبرمانية''. عندها لا يكون هناك مجال لإصلاح النفس أو إخراجها من قوقعتها سوى هزة كبرى تعيد له إنسانيته، وتعيد له شعوره بالضعف البشري الذي جبل عليه. تستمر الحالة في التغلغل، ويغذيها ذوو المصالح ممن لا يأبهون بالنرجسي. يرسخون فكرة ندرة فكره وشكله وتفرده الذي لا يمكن أن يفهمه إلا خاصة الناس، وهم ''المتمصلحون'' من تكريس بعد النرجسي عن الواقع. يزيد عدد هؤلاء كلما علا النرجسي في مركزه الوظيفي، ويمكن أن يشاهد الجميع تكالبهم ومعاركهم لضمان المحافظة على مواقعهم أو الاقتراب أكثر من النرجسي لضمان المزيد من المزايا. يضمن هذا السلوك تدمير مستقبل النرجسي ومستقبل كل من يتأثرون به قلة كانوا أم كثرة. لكن هؤلاء يكونون قد توقعوا مآل الأمور بحكم كذبهم وتسخيرهم الحقائق للوصول إلى مآربهم. يدعم المحيطون بالنرجسي محاولاته استغلال الآخرين وابتزازهم. بل إن الكثير منهم يخططون عمليات ابتزاز الآخرين بناء على حاجتهم وظروفهم لتحقيق مصالح النرجسي الشخصية، والتي قد يكون منها أمور غير مشروعة تنتج عن الغيرة من الآخرين وما يحصلون عليه سواء أسرياً أو وظيفياً أو اجتماعياً أو مالياً. يظل النرجسي يسعى ''باستماتة'' للحصول على المناصب لتحقيق شعوره الطاغي بالأهمية. يميل النرجسي نحو إعطاء قيمة عالية لأفعاله وأفضاله لضمان تحقيق غاياته. كما يبحث عن أي ميزة اجتماعية أو وراثية، فإن لم يجد، صنع لنفسه تلك الميزة، ودفع لمن يؤلف عنها الكتب. تبدأ المشكلة عندما يسأل النرجسي من حوله من هذا؟ وهو يعرفه، وتتأصل عندما يقول: من أنتم؟ وهو يعرفهم، وتصل حد الجريمة الشرعية والأخلاقية عندما يقول ''أنا ربكم الأعلى''. فكيف نهرب من النرجسية؟ علاج النرجسية هو العودة إلى الله والتذلل له والخضوع بين يديه ـــ جل وعلا ـــ واتباع سنة محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ الذي قال: ''إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب''. ثم أحط نفسك بمن ينتقدون عملك وابتعد عمن يكثر من الموافقة على كل ما تقول من قبيل ''سم طال عمرك''، و''جبتها الله يحييك''، و''كلامك هو الصحيح الله يحفظك'' و''لا يهمونك''.
إنشرها