Author

قراءة متأنّية في الإجراءات الأخيرة للهيئة وتداول (1 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أعلنتْ كلٌ من هيئة السوق المالية والشركة السوق المالية السعودية "تداول" في منتصف هذا الأسبوع ثلاثة إعلانات لافتة جداً، سواءً على مستوى مضمونها، أو آليتها، أو حتى أسبابها والأهداف المتوخّاة من ورائها. أستعرضها هنا باختصار، ثم أوردُ أبرز الملاحظات عليها في مقالين متتاليين. جاء إعلانا هيئة السوق المالية على النحو الآتي: (1) اعتماد الهيئة نسبة لتذبذب أسهم الشركات حديثة الإدراج خلال اليوم الأول من تداولها بـ 10 في المائة. (2) مشروع الإجراءات والتعليمات الخاصة في الشركات المدرجة أسهمها في السوق التي بلغت خسائرها المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأسمالها، بغرض تنظيم آلية التعامل مع الشركات المذكورة، وطلبها آراء وملاحظات المعنيين والمهتمين حول المشروع! فيما تضمّن إعلان "تداول": اقتراح تغيير طريقة احتساب سعر الإغلاق ليصبح المعدّل السعري VWAP خلال آخر 15 دقيقة من التداول، وفي حال عدم وجود صفقات في آخر 15 دقيقة، تتحول الآلية إلى سعر آخر صفقة عادية تعادل أو تتجاوز قيمتها 15 ألف ريال (نفذت قبل آخر 15 دقيقة)، وذلك للحد من التأثير في سعر الإغلاق. وفيما يلي أبرز الملاحظات على ما تقدّم ذكره. (1) يتبيّن أن الهدف النهائي والمشترك للثلاثة قرارات والإجراءات هو الحد من المخاطر والمضاربات العشوائية، إضافةً إلى الحد من الممارسات المضللة والتلاعب في السوق. وهو أمرٌ إيجابي جداً ومهم إرساؤه في تعاملات السوق المالية السعودية، قياساً إلى حداثة نشأتها وتجربتها مقارنةً ببقية الأسواق المالية الناشئة والمتقدمة. (2) كان من الأجدر بالنسبة لمشروعي: الشركات ذات الخسائر المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأسمالها، تغيير طريقة احتساب سعر الإغلاق ليصبح المعدّل السعري VWAP خلال آخر 15 دقيقة من التداول، أن تكون كل من الهيئة وتداول قد استوفتا دراسة المشروعين، بناءً على خبرات كوادرها، والجهات الاستشارية المتعاقدة معها، ومن تراه من الخبراء والمستشارين العاملين في القطاع الاستثماري، ومن ثم اتخاذ قرارهما النهائي بخصوصهما! إذْ إنَّ أخذ آراء مختلف المعنيين والمهتمين وفق هذه الطريقة المعلنة؛ ثبتَ قياساً إلى التجارب السابقة في سوقنا المحلية أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها. هذا عدا أنّه يعطي إشاراتٍ غير دقيقة لمختلف أطراف السوق بأنَّ الجهات القائمة على السوق المالية غير واثقة بقدرات العاملين فيها، ولا حتى الجهات الاستشارية المتعاقدة معها! وهذا ما قد يعطي استنتاجات غير صحيحة لدى المستثمرين. آتي الآن إلى صلْب تلك القرارات والإجراءات المرتقبة.. (3) في خصوص اعتماد الهيئة نسبة لتذبذب أسهم الشركات حديثة الإدراج خلال اليوم الأول من تداولها بـ 10 في المائة، والذي يهدف للحدِّ من التذبذبات الحادة "أو الارتفاعات" التي تغلب على تعاملات اليوم الأول من إدراج الشركات الجديدة على السوق. الاستنتاج العميق لهذا القرار يقول إنّه: أشبّه "بالمسكّن" الذي يحاول إيجاد حلٍّ سريع ومختصر لما هو أدهى وأمر وأكبر! ممثلاً في سيطرة المضاربات الشرسة على أغلب تعاملات السوق، التي يزيد القلق تجاهها أنها قد تكون ناتجة عن عددٍ قليل من المحافظ الاستثمارية الكبيرة، أو مجموعة محافظ استثمارية متواطئة فيما بينها "قروبات"، وجدتْ هيئة السوق المالية بكل ما توافر لديها من أدواتٍ رقابية، المفترض أنها نافذة على المحافظ الاستثمارية كافّة دون استثناء، كفلها لها نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، إضافةً إلى أنظمة الرقابة الآلية الحديثة التي كلفتها مادياً مبالغ كبيرة، أؤكد أنها وجدت كل ذلك (أضعفُ) من أن تقف بالمرصاد في وجه "القلة" تلك من المحافظ الاستثمارية! أتى هذا القرار على حساب الأكثرية من صغار المتعاملين "المكتتبين" الذين تحققت لهم مكاسب أفضل مع اليوم الأول، وبموجب النظام يحق لهم البيع والاستفادة من تلك المكاسب. وأتى على حساب الشركات المتوسطة والكبيرة التي قد تواجه مستقبلاً صعوبات في تغطية اكتتاباتها نظير انخفاض الإقبال من المكتتبين، بسبب إدراكهم أن ما ينتظرهم مع أوّل يومٍ لإدراج تلك الشركات قد أصبح مماثلاً لأيام تعاملاتهم اليومية! ومن ثم سينظرُ المكتتب إلى أنَّ "تكلفة حجز" أمواله لعدة أسابيع في أيٍّ من تلك الشركات "أكبر من العائد" المرتقب في أوّل يومٍ لإدراجها! وبنظره إلى الفرصة البديلة بين يديه "الاستثمار والمضاربة" في الشركات المتاحة أمامه الآن، فإنّه سيُفضّل بكل تأكيد الفرصة البديلة. في الوقت ذاته أتساءل؛ لماذا لم يلفت انتباه الهيئة طابع المضاربات المحمومة طوال أيام عمل السوق خلال العام، في حين اتخذتْ هذا القرار لأجل يومٍ واحد؟! ألم تدرك أن الأمر خلفه ما هو أكبر بكثير؟ ألم تدرك أن نوعية وصغر الشركات التي هي من أدرجها، ووجود بعض الضعف في أدواتها الرقابية على تعاملات بعض المحافظ الاستثمارية هو أساس الداء، وهو الأولى والأجدر بالدواء؟! وهذا له شأن وحديث طويل جداً طالما كُتب عنه الكثير طوال السبعة أعوامٍ الماضية، لا شكَّ أن العودة للحديث عنه لها أهميتها القصوى. لن أستبق التطورات! ولكن مستقبلاً بعد أن تظهر النتائج السلبية لاتخاذ مثل هذا القرار قد نرى تراجعاً أو تعديلاً من قبل هيئة السوق المالية عليه. وأكمل في المقال القادم بقية الملاحظات على الإجراءين الآخرين بمشيئة الله.
إنشرها