Author

التورط في العمالة المنزلية

|
لقد كانت العمالة المنزلية لا تكلف سوى ثلاثة آلاف ريال، ثم قفزت التكلفة حتى بلغت قرابة 20 ألف ريال.. وتبلغ ضعفها بحساب الاستهلاكات الأخرى.. فكيف تورطنا في هذه العمالة، وإلى متى ستظل احتياجا ضروريا لكل أسرة؟ الملاحظ أن العمالة المنزلية لم تعد سمة خاصة بأهل الخليج الذين يتمتعون بمستوى معيشي مرتفع، بل ثمة بلدان عربية في وضع اقتصادي حرج مثل مصر ولبنان والأردن أصبحت العمالة المنزلية سمة فيها رغم الكثافة السكانية والبطالة العالية، ورغم تاريخ طويل لها بعمالة محلية، ورغم تقاليد عتيدة في الحرية الاجتماعية لا تمانع قط في عمل المرأة وحركتها حيثما تشاء. هذا يعني بطلان حجة التقاليد نهائيا.. ليبقى السؤال.. إذا لماذا حدث هذا.. وإلى متى؟ في أوائل الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي كانت بيوت علية القوم والأسر الثرية تلجأ إلى عمالة منزلية داخلية، فيهم النساء وفيهم الفتيان ممن كانوا يدعون "الصبيان"، ومع الطفرة الأولى التي أطاحت بالبيوت الطينية والشعبية وتسابق فيها الناس في بناء الفلل بمساحات لم يعد معها بالإمكان السيطرة على نظافتها، بل تم تصميمها على أساس وجود هذه العمالة التي تدفقت من جراء التقليد والمجاراة لعلية القوم والأعيان، وما تخلعه عليهم من إحساس زائف بالثراء والتميز حتى لدى من هم في ظروف اقتصادية صعبة. من ناحية أخرى، أسهم تمدد العمران وتباعد المسافات وعسر الوصول إلى المدارس ومقار الأعمال والخدمات والأقارب مع الغياب التام لوسائل النقل العام، في جعل السائق المنزلي ضرورة.. ومع الزمن تعقد سيناريو العمالة المنزلية حتى بدا وكأننا فوضناها في إدارة شؤوننا الأسرية ومصالحنا الخاصة، واستقر في أذهان أجيالنا الناشئة أننا دونها ستتعطل حياتنا كلية، فقد أصبحت المعادل الموضوعي لأسرنا "الأسرة الموازية أو البديلة" غيابها غياب لحياتنا قالبة السحر على الساحر.. وليس اللهاث من أجلها والرضوخ لارتفاع تكاليفها، فضلا عن التهافت على استرضائها لتبقى أوجع تعبير عن عمق التورط. إن فك الارتباط بهذه العمالة يتطلب الاستعداد لفك ارتباطنا مع مبرراتها بإعادة صياغة الوطن سكنا وحراكا للأعمال والمدارس والأسواق وكل العلاقات الاجتماعية، وهذا يستدعي تغييرا جذريا في أسلوب حياتنا نوعا وشكلا ومضمونا، تتولى مهمته جهات التعليم والإعلام والنقل والبلديات، مع تشريعات وقوانين واضحة قادرة على وضع إطار صارم للاستقدام تضغطه في أضيق نطاق، مما لا بد منه فقط يعيد للأسرة هويتها ويحرر الفرد نفسه من الاستلاب ممن يوهمونه بأهميته.. وتلك مهمة جدا صعبة، لكنها ليست مستحيلة، وهي إذا لم تتم مواجهتها اليوم بتدبر وحكمة فإنها حتما ستواجهنا مستقبلا بوجه كالح يهدد هوية الأسرة والمجتمع بتكاليف اقتصادية وثقافية فادحة، وتدفع بنا إلى مغالطات انتهازية تصبح فيها "الأنا" هي سيدة الموقف، لا يعنيها إلا ذلك الذي يوهمها بأهمية قيام عمالة منزلية بالعمل نيابة عنها، أي تتصدر المشهد قبل المواطن والوطن!
إنشرها