Author

حالة دعم الطاقة في المنطقة.. أين نحن؟

|
مستشار اقتصادي
أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا حول إصلاح دعم الطاقة: الدروس والاستحقاقات في كانون الثاني (يناير) 2013. التقرير شامل عن العالم، ولكن نظراً لحجم الدعم والعلاقة المهمة للمملكة رأيت التركيز على منطقتنا، وحقيقة أن المنطقة معتمدة في الأساس على الطاقة. حجم الدعم على الطاقة للوقود وللكهرباء والغاز والفحم، وصل إلى 480 مليار دولار في 2011، ثلثا هذا المبلغ صرف في الدول المصدرة النفط. الطريقة الأكثر شمولية التي يتحدث عنها الاقتصاديون تشمل ما يسمى العوامل الخارجية ذات العلاقة، يصل الدعم وتكاليفه إلى 1.9 تريليون دولار. منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشكل 50 في المائة من دعم الطاقة في العالم. مادة هذا العمود تستند إلى التقرير. مقارنة سريعة بين الدول الرئيسة في المنطقة توضح الدعم كنسبة من الدخل القومي لعام 2011. تجد أن المملكة من أكثر الدول دعماً مقارنة بالدول الرئيسة في المنطقة، فدعم المملكة في الكهرباء والمنتجات النفطية يصل إلى 9,94 في المائة، ويصل في العراق 11,31 في المائة ومصر 9.04 في المائة وإيران7.81 في المائة والإمارات 2.34 في المائة. يتضح أن المملكة هي من أكثر الدول دعماً ولا يفوقها سوى العراق، لاحظ أن هذه الأرقام لا تشمل الغاز ولو شملت الغاز لكانت المملكة في المركز الأخير، كما أن ظروف العراق الأمنية والسياسية معروفة. لعل أهم ملاحظة تقال عن الدعم أنه لا يظهر في أرقام الميزانيات، ولكن هذا لا يلغي أن المجتمع برمته يدفع فاتورة عالية. ولكن الأمور لا تقف هنا، فأرقام الدخل القومي في الدول المعتمدة على النفط والغاز مرتفعة بسبب هذه الصناعة، ولكن الدعم ثابت وفي نمو، ولكن حجم الاقتصاد لا ينمو بالوتيرة نفسها، ولذلك فإن الدعم في تزايد مع الزيادة السكانية في ظل نمو اقتصادي محدود، وبالتالي فإن الأرقام خادعة ولا تدل على الحالة الاقتصادية. للدعم قدرة على التجذر والتأثير في أنماط الاستهلاك والإنتاج، وأخيراً إدارة الاقتصاد والدوائر المجتمعية الأهم. فهناك تأثيرات مباشرة فالدعم يُمكن المصروفات الحكومية من التزايد، مما يضيق الخناق على المبادرات والحوافز فتصبح العلاقات أهم من القدرات، كما أن الدعم تدريجياً يقلل من قدرة الحكومة على تمويل الالتزامات الأخرى مثل التعليم والصحة "الأمل أن نفرق بين الحالة اليوم والحالة الاعتيادية التي سادت في أغلبية الفترات منذ 1970"، كذلك للدعم دور أساس في التلوث والصحة العامة والضغط على مصروفات البلدية والبنية التحتية بالتوسع "نسبة تحتية ومنازل كبيرة"، وأخيراً هناك حوافز واضحة للتهريب. ولكن هناك مؤشرات أخرى من نوع آخر، فالدعم المتواصل يزيد من الاستهلاك داخليا مما يؤثر في أنماط العلاقات الخارجية مع المستهلكين وخاصة الأقوى سياسياً وعسكرياً. وداخلياً ليس هناك حوافز فعلية للحد في المبالغة في الاستهلاك. في نظري لعل واحدة في أسوأ التأثيرات تظهر في أن الدعم مثل الضريبة على الأقل دخلا لمصلحة الأكثر دخلاً. فالأكثر دخلاً "أو ثروة" يستطيع شراء منزل أكبر وسيارات أكثر، وبالتالي يستفيد من الدعم بطريقة غير عادلة على المجتمع وسلامته في المديين المتوسط والبعيد، يحمل هذا التأثر معاني عدالة وأخلاقية يجب مراجعتها سريعاً. الحاجة للإصلاحات ضرورة عاجلة. لعل تجربة مصر دليل واضح على التقاعس في الإصلاح وصعوبة التعامل معه في المراحل الأصعب. الدول الوحيدة التي حاولت الإصلاح في المنطقة وبنجاح محدود هي إيران واليمن وموريتانيا. القول إن الإصلاح سهل وإن تغير نموذج اقتصادي أدمن على فوضى اقتصادية ممثلة في دعم غير رشيد ليس مقبولا، ولكن الأسوأ منه معرفة أن التأثيرات السلبية تراكمية وأن الاتجاه يحمل ضررا واضحا ويصعب السكوت عنه. الحل في تأطير الإشكالية والمناقشة الموضوعية والوصول إلى خطوات عملية لتحقيق أهداف وطنية واضحة وفي زمن محدد قبل أن نصبح ضحايا عدم وجود سياسة طاقة.
إنشرها