Author

التمركز على الذات.. سبب تعثرنا الإداري

|
بعض القياديين يمارسون ألوانا مختلفة من الأخطاء والممارسات الإدارية التي تعيق مسيرة التنمية وتحمل المسؤولية والمشاركة الوطنية من خلال اعتقادات خاطئة وممارسات إدارية وسلوكية ومعرفية تحد من فعالية أداء الأجهزة التي يرأسونها. وقد يبدو للوهلة الأولى أن هؤلاء يعملون ضد مصلحة الوطن أو نوعا من أنواع الفساد الإداري إلا أنه في الحقيقة هو نوع من الأمية الإدارية ومشكلة سلوكية ومعرفية، التي عادة تعمل في فضاء من المخاوف والمحاذير المبالغ فيها واللف والدوران. المملكة على الرغم من محاولتها الجادة للتخلص من المركزية لمصلحة اللامركزية ومنح المزيد من الصلاحيات للإدارات المحلية على حساب الإدارات المركزية إلا أنه ما زال هناك من يعيق هذا التوجه على الرغم من أهميته الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عما قد يترتب على ذلك من تنمية للمناطق والمحافظات والمراكز وهو ما يهدف إليه نظام المناطق والمجالس البلدية ومجالس المحافظات. هناك من القياديين من يخلط بين الصلاحيات وتفويض السلطات وبين معتقدات إدارية وفكرية لا تخدم تسهيل الإجراءات الإدارية وتوزيع المسؤولية وبين أيضا مفهوم الاحترام والتقيد بالهيكل التنظيمي وأهميته لهيكلة أي جهاز، وبمجرد عمل الهيكل التنظيمي الذي كما يبدو على الغالبية عبارة عن رسوم وأشكال نجدهم في أول فرصة هم أول من يخرقونه ولا يؤمنون ببروتوكولاته الإدارية، وعندما يقف الموضوع أمام النزوة الإدارية وحسب السلطة والتسلط يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، فمن الجائز أن تجد وزيرا يوقع على إجازة موظف بالمرتبة السادسة أو يتدخل في عمل أي شخص ويرمي بعرض الحائط العدد الكبير للتسلسل من المديرين والمديرين العموميين والوكلاء المساعدين ويرسخ لمدرسة جديدة من إدارة الخروقات وعدم احترام التنظيم الإداري وما يترتب عليه من صلاحيات وتفويضات ومصالح عامة، وهكذا بقية من هم تحته نجدهم يسلكون المسلك نفسه وكأنهم مجبرين على التعامل مع بعضهم بعضا، وأن كل رئيس مجبر على من هم تحته من المديرين والوكلاء. اليوم على الرغم من تعارض أهداف الحكومة الإلكترونية مع المركزية وعلى الرغم من الإشارة في جميع الاستراتيجيات إلى التخلي عن المركزية وحصر صنع واتخاذ القرار مركزيا من الوزارات في العاصمة إلا أن هناك من يسير عكس التيار ويؤكد ويكرس وبحرص على المركزية وسحب الصلاحيات من المديريات في المناطق ومن إمارات المناطق وتستغرب وتندهش لهذا الاتجاه المعاكس الذي لا مبرر له وطنيا الذي يزيد من أزمة الثقة في إطار الوزارة الواحدة أو الجهاز الواحد، ويحصر المسؤولية ويركزها في فئة دون أخرى وبدون أي مبرر منطقي فالجميع شركاء في تحمل المسؤولية والدور الوطني. المهم أن هذا التوجه والاتجاه المعاكس جعل هناك ضعفا في فعالية وأداء تلك الوزارات والإدارات التابعة لها على الرغم من توفر الموارد المالية والبشرية والكفاءات، ما جعل الناس يتساءلون قائلين: نرى جعجعة ولا نرى طحنا، فالوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدون والنواب والمديرون العموميون مشغولون من اجتماع إلى اجتماع، ومن سفرة إلى سفرة ومن لجنة إلى أخرى، حتى إن بعضهم ما يلحق ويعمل خارج الدوام وفي الليل وبعد هذا كله المواطن يشتكي يوميا من الخدمات ومن صعوبة الوصول إليها. كما يبدو أن النوازع والدوافع والرغبات الشخصية ما زالت تسيطر على فكر وسلوكيات البعض من القياديين وحرمتهم من الفطام منها لمصلحة الدور الوطني والعمل لما هو وطني، فهناك فرق كبير ما بين التمركز حول الذات، خاصة في مجال الإدارة وبين الانفتاحية والشمولية وعقلانية ومنطقية التفكير الإداري، لأنها في آخر المطاف هي التي ستخلص هياكلنا الإدارية من الشوائب التي تعيق الإصلاح والمركزية، ودائما ما نقول: إن مشكلتنا في المملكة ليست مشكلة إمكانات وموارد وثروات، لكنها مشكلة إدارة ومواطنة.
إنشرها