Author

في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة

|
سمعت هذه الكلمات أول مرة عندما هاجمت المقاتلات الإسرائيلية ما قيل إنه مفاعل نووي عراقي أيام الرئيس صدام حسين. انتظرنا سنين ثم عقودًا، لكن الوقت المناسب لم يَحِن قط. تذكرت تلك الحالة عندما أعلن مسؤول سوري أن سورية تحتفظ بحقها في الرد على الغارات الإسرائيلية على ''مركز أبحاث سوري'' في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. على أن هذه ليست المرة الأولى التي ''احتفظ'' فيها النظام بهذا الحق، بل إنها عبارة مبتذلة أصبحنا نسمعها كل يوم من حزب أو نظام من أنظمة ''الممانعة''. الممانعة التي امتنعت عن توقيع أي معاهدات أو اتفاقيات مع إسرائيل في العلن، لكن أوراق التوت تسقط عن عوراتها يومًا بعد الآخر، لتكشف حجم تورطها في حماية الكيان الصهيوني. الجريمة الكبرى هي إيهام المواطن العربي الذي خسر أرضه وحريته أمام جبروت الدولة الصهيونية بأن هناك من يدافع عن حقوقه وتطلعاته نحو الحرية، ليكتشف يومًا بعد يوم أن أولئك الممانعين، ملأوا الأرض نفاقًا وتقيَّة. فهل هذا المواطن المسكين غبي كي تنطلي عليه هذه الخدعة طول هذه السنين؟ أم أنه متكسب مثل قادته من بقاء الوضع على ما هو عليه؟ أم أنه يحاول البحث عن الأعذار التي تبعده عن المطالبة باسترجاع حقوقه بعدما خارت قواه، واكتفى بالأكل والشرب والتمتع بملذات الحياة؟ أم أنه يخاف من المستقبل فيرضى ''بقبح'' الحاضر بديلًا عن ''ضبابية'' المستقبل؟ يجب ألا ننسى أنه ''كما تكونوا يولى عليكم''، فكيف يريد شعب يعشق اللهو والدعة والكذب ويتمادى في الظلم أن يأتي من بين أبنائه من يتعلق بالعمل والجد والأمانة والصدق ويطبق العدل بين الرعية؟ يقول صاحبي: يجب أن ندرِّس ''صناعة الشعوب''، بدلًا من ''صناعة القادة''، وهو محق، فالشعب هو مصدر القادة. إذًا فنحن ''كشعوب'' سبب وجود هذا الفشل الذريع الذي يعيشه عالمنا العربي. المشكل الحقيقي هو في الخوف الذي يجعل الناس يصفقون لما تروجه وسائل الإعلام وهي تلمع هؤلاء الرؤساء، وإعطاء الانطباع أنهم يصدقون ما لا يصدق. الشعب السوري لا يصدق نظامًا يدعي الممانعة لم يطلق إلا الزهور باتجاه الجولان المحتل، ثم يتهم الآخرين بالعمالة لإسرائيل وأمريكا. الشعب السوري يكره أفراد الجيش الذين ينتشرون في الشوارع بعد العشاء من كل يوم، والرقباء الذين يحصون على كل مواطن أنفاسه، لكنه الخوف. فالشعوب ليست مغفلة أيها الممانعون. صدق هذا في حالة حزب الله ومغامرة 2006 التي كانت وسيلة لضمان تدخل إسرائيلي ''محدود''، يرسل من خلاله الولي الفقيه أكبر عدد من المقاتلين بصكوك الجنة إلى الجبهة، ويبقى السيد في خندقه يراقب الأزمة، ويضع الساسة اللبنانيين في موقف حرج، وهم يحاولون أن يحقنوا دماء الشعب، بل إنهم سخروا من دموع السنيورة المقهور على وطنه وشعبه. الأدهى من ذلك أنه بعد أن بذلت الدبلوماسية اللبنانية والسعودية والمصرية جهودًا ضخمة لإنقاذ الضحايا، اتهمهم هؤلاء بالعمالة، وصوروا – وما زالوا يصورون - تلك الحرب على أنها نصر لحزب الله. فماذا استفاد الحزب من تلك الحرب؟ خسر الحزب ولبنان عددًا كبيرًا من القتلى والأسرى والجرحى، لكنه حقق هدفه الأساس، ألا وهو السيطرة على قرار الدولة في لبنان. أعاد الحزب توجيه سلاحه 180 درجة باتجاه بيروت، والكل يذكر ما فعله الحزب في بيروت بعد الحرب بسنة ونصف. ثم جاء دور المتهمين بـ ''العمالة''، ليعيدوا بناء الضاحية ويعوضوا كل من خسر من تلك المغامرة بطريقة أسكتت الكثير من الألسنة لفترة محدودة. الرد السوري لم ولن يأتي! فالنظام مطالب اليوم بأكثر من خمسة ردود احتفظ بتاريخها ومكانها ضمن ''رزنامة'' الرئيس. حتى إن أراد النظام أن يرد، ''وهذا من سابع المستحيلات''. فهو مشغول الآن بتصفية أبناء الشعب السوري، وليست لديه الفرصة التي كانت متاحة في 2006 و2008 و2009، عندما كان المخدر الإعلامي يعمل على أكمل وجه. الحالة الوحيدة التي يمكن فيها أن يرد النظام على الاعتداءات الإسرائيلية هي أن يتكرر ما حدث مع العراق إبان حرب تحرير الكويت، إذا أيقن النظام أن نهايته حتمية، وأصبح في النزع الأخير. سيحاول أن يتخلص من صواريخه التي لا تزال في المخازن من عشرات السنين، بدل أن تقع في يد الشعب السوري الثائر، ولتكون بمثابة الضامن لتوريط دول أجنبية في الأزمة السورية عسكريًّا. عندما يفقد النظام تركيزه سيحاول أن يطبق مبدأ ''علي وعلى أعدائي''. سيطلق ما في حوزته من صواريخ في حرب إعلامية لاستعادة تعاطف أي من الشعوب العربية التي يمكن أن تتعاطف مع نظام سفاح كهذا. قد يكون هذا هو السبب الذي دفع إسرائيل لأخذ المبادرة للتخلص من الصواريخ التي يمكن أن تسبب خطرًا عليها. بناء على ذلك يمكن أن نتوقع المزيد من الغارات على مواقع تخزين الصواريخ التي تعرفها إسرائيل'' يقينًا''، وقد يكون من ضمن المواقع التي تهاجمها طائرات دولة الاحتلال، ما يقع داخل لبنان، خصوصًا أن هناك تصريحات تشير إلى نشر صواريخ على الأرض اللبنانية، في محاولة لجر لبنان بأكمله إلى الأزمة التي يحاول أن ينأى به عقلاؤه عنها. الممانعان متفقان على أن بقاءهما أهم من بقاء شعبي الدولتين السورية واللبنانية، وسيضحيان بالجميع في سبيل ذلك. وسيكون الرد في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.
إنشرها