Author

هل تستثمر أم تضارب في سوق الأسهم السعودية؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
الجواب عن السؤال: هل تستثمر أم تضارب في سوق الأسهم السعودية؟ هو أن هناك أوقاتا يكون فيها الاستثمار أفضل من المضاربة، وأوقاتا تكون المضاربة فيها أفضل من الاستثمار، وأوقاتا يكون الابتعاد عن السوق هو الأفضل، علاوة على ذلك هناك أناس يكون الأفضل لهم الاستثمار بدلاً من المضاربة، وأناس آخرون تكون المضاربة أنسب لهم من الاستثمار، كما أن هناك أسهما صالحة للمضاربة وأخرى صالحة للاستثمار، وأخرى صالحة للمضاربة والاستثمار معاً، فما الذي يحدد الاختيار الصحيح وكيف يمكن للشخص تحديد الأسلوب المناسب له؟ لا يختلف هدف المستثمر عن المضارب، فكلاهما يسعى إلى تحقيق عائد إيجابي على ما لديه من مال، وكلاهما يشتري ويبيع الأسهم، وكلاهما يخاطر بماله في سوق الأسهم، والاختلاف الكبير فيما بينهما يكمن في المساحة الزمنية، التي تفصل بين وقت الشراء ووقت البيع، وفي حدة المخاطرة التي يتحملها كل منهما، وفي مقدار العائد المتوقع على ما يُضخ من مال، علاوة على اختلاف الأسلوب المتبع في اختيار الأسهم، الذي ينتهجه كل منهما. فقد يحتفظ المستثمر بما لديه من أسهم لعدة أشهر وربما سنوات، لذا فهو يفضل الشركات التي توزع أرباحاً نقدية لتعوضه عن طول المدة الزمنية. أما درجة المخاطرة عند المستثمر فهي متدنية إلى متوسطة، نظراً لكون المال المستثمر متوسطا إلى كبير، لذا يأتي العائد المتوقع من قبل المستثمر قليل إلى متوسط. أما المضارب فالمساحة الزمنية التي يعمل بها قصيرة، تصل إلى دقائق معدودة في بعض الحالات، ولا يهتم كثيراً بالتوزيعات النقدية، ويقبل بدرجات عالية من المخاطرة مقابل رفع احتمالية تحقيق عوائد مالية عالية نسبياً. كما نجد أن رؤوس أموال معظم المضاربين تكون قليلة إلى متوسطة، وهذا يفسر إلى حد كبير ارتفاع نسبة تقبل المخاطرة لديهم، فهناك علاقة عكسية بين حجم المال المستثمر وحدة المخاطرة. أما بالنسبة للأسلوب المتبع في انتقاء الأسهم فهو مختلف تماماً بين الاثنين، ونقول إجمالاً إن المستثمر يتبع أساليب التحليل الأساسي (المالي) والمضارب يتبع أساليب التحليل الفني. وكأي منهج فكري، فهناك متطرفون فنيون ومتطرفون أساسيون، فالمتطرف الفني هو ذلك الشخص الذي لا يعير التحليل الأساسي أي اهتمام، بل إنه أحياناً لا يعرف اسم الشركة التي يقوم بتداول أسهمها ولا يعنيه كثيراً نشاطها التجاري. أما المتطرف الأساسي فهو شخص لا يعترف بالرسوم البيانية لحركة أسعار الأسهم ولا ما تعنيه المؤشرات الفنية إطلاقاً، فينظر إلى الأسهم كوسيلة لامتلاك جزء من الشركات التي يرغب الاستثمار فيها لا أكثر ولا أقل، لذا يقال إن من يتبع التحليل الأساسي يشتري الشركة، ومن يتبع التحليل الفني يشتري السهم! إذاً الاستثمار يعني اتباع التحليل الأساسي (أو المالي) وهو ما يقوم به المستثمر، والمضاربة تعني اتباع التحليل الفني وهي ما يقوم به المضارب، وهناك من يدمج الأسلوبين للخروج بنتائج أفضل، فيستخدم التحليل الأساسي لانتقاء الشركة والتحليل الفني لتوقيت الدخول والخروج. ويمكننا القول إنه كلما كانت المدة الزمنية قصيرة، زادت أهمية التحليل الفني والعكس صحيح. فعلى سبيل المثال، لو أن شخصاً يرغب في الشراء والبيع خلال ساعات قليلة، فمن الطبيعي ألا يكون للتحليل الأساسي فائدة كبيرة في ذلك. فمن غير المتوقع أن تتغير مبيعات الشركة خلال ساعات، ولا أن تتغير أي من مؤشراتها المالية، لكن من الممكن جداً تقلب سعر السهم بناء على تجاذب قوى العرض والطلب وكميات التداول المتحققة، وهذا ما يمكن رصده من خلال أساليب التحليل الفني. في المقابل نجد أن التحليل الفني قليل الأهمية لو أن شخصاً أراد انتقاء شركة للاستثمار على مدى السنوات الخمس القادمة، حيث ما يعنيه هنا هو المؤشرات المالية والخطط الاستراتيجية للشركة أكثر من سعر السهم الحالي. بالعودة للسؤال عن جدوى الاستثمار أم المضاربة في سوق الأسهم السعودية، نجد أن على الشخص أولاً تحديد حدة المخاطرة التي يتقبلها، ومنها يقرر أي الأسلوبين أفضل له. على سبيل المثال، لو أن الشخص لديه الاستعداد لتحمل درجات عالية من المخاطرة فمن غير المناسب له الاستثمار إطلاقاً، والسبب يعود إلى نظرية المحفظة المالية التي تقول إن مقابل كل درجة مخاطرة هناك عائد مالي متوقع، يزداد هذا العائد مع ازدياد المخاطرة، وينخفض معها. فإذا علمنا أن الاستثمار في أسهم الشركات القوية له عائد معين - ولنقل فرضاً أنه 15 في المائة خلال عام واحد - فمن غير المناسب لشخص يقبل بمخاطرة تتجاوز 100 في المائة في مقياس الانحراف المعياري أن يقبل بهذا العائد. للتوضيح أكثر، تقاس المخاطرة باحتمالية عدم تحقيق العائد المتوقع، ويستخدم في ذلك مقياس الانحراف المعياري. فمثلاً نجد أن الانحراف المعياري للعائد على وديعة مصرفية يبلغ صفر لأن العائد مضمون إلى حد كبير، وتبعاً لذلك فهو متدن جداً. بينما نجد أن الانحراف المعياري للاستثمار في عمارة سكنية قد يكون 20 في المائة، والعائد المتوقع 10 في المائة، أي أن الشخص يتوقع تحقيق عائد بنسبة 10 في المائة، ربما تزيد إلى 12 في المائة أو تنخفض إلى 8 في المائة كأقرب احتمال. فلو أن الشخص الذي يستثمر في عمارة سكنية ويقبل بانحراف معياري بنسبة 20 في المائة، وجد وسيلة استثمارية أخرى لها عائد بنسبة 12 في المائة (أعلى من العمارة السكنية) ومخاطرة نسبتها 20 في المائة (مساوية للعمارة السكنية)، فمن المفترض أن يختار الوسيلة الأخرى لأن درجة المخاطرة فيها واحدة لكن العائد أعلى. هذا يعني أن من يقبل بنسبة مخاطرة تصل إلى 100 في المائة، من الخطأ أن يستثمر في الأسهم لأن هناك وسائل أخرى لهذا الحد من المخاطرة تمنح عائداً أعلى من العائد المتوقع على الأسهم، وإحدى هذه الوسائل انتهاج المضاربة بدلاً من الاستثمار. تكون المضاربة مجدية أكثر في السوق السعودية إذا كان الاتجاه العام للأسهم صاعدا، وذلك بسبب عدم وجود وسيلة البيع على المكشوف (أو البيع المسبق) وهو البيع قبل الشراء، فتكون هنا المضاربة محدودة إلى حد كبير، فيحتاج الشخص إلى مهارة عالية لتحقيق عائد مناسب فيما لو كان اتجاه السوق جانبي أو هابط. وأخيراً كثير من الدراسات تشير إلى أن الاستثمار في الأسهم على المدى الطويل يحقق عائداً أعلى من أي وسيلة للمضاربة، وذلك بسبب فرضية كفاءة السوق التي تقول إنه من المستحيل تحقيق عائد أعلى من العائد العام على السوق ككل. إلا أنه في حالة وجود سوق لا تتمتع بالكفاءة المتوقعة، فيمكن تحقيق عوائد أعلى من السوق، سبق أن تطرقت في مقال آخر بالتفصيل عن مفهوم كفاءة السوق لمن يرغب في الاستزادة.
إنشرها