كن علامة تجارية !

كن علامة تجارية !

علت مؤخرا هتافات قوية وأنشئت حملات تطويرية ، وأقيمت محاضرات على المستوى الدولي والمحلي ، وألفت كتب تنادي بشعارات متقاربة ( ذاتك علامة تجارية ، العلامة التجارية الشخصية الموثوقة ) .. مما يدعي إلى تساؤل الكثير منا .. هل من الممكن أن يكون الشخص بنفسه علامة تجارية ؟ وإذا كان ممكنا .. كيف يكون ذلك ؟ كلنا يعرف أن العلامة التجارية هي ختم ثقة ، بصمة تأكيد ، سمعة تواترت وتناقلت على استحقاق حاملها جودة يعترف بها الجميع . فإذا كانت السلع والخدمات تستطيع إكتساب تلك العلامة بعد تخطيط وتمحيص ودراسات وجد وجهد وعمل كبير في تطويرها وتحسينها ؛ فمن باب أولى أن يكتسبها المخطط لنفسه ، ويكون بشخصه علامة تجارية ، وأن يعمل ويبذل قصارى جهده في سبيل ذلك . السؤال المهم والذي يجب أن يطرح هنا .. كيف ينطبق علينا نحن البشر ذلك ؟ فالسلع جمادات صنعها الإنسان بنفسه ، وأعطاها صفاتها وخصائصها لذلك يسهل تغييرها وتطويرها ، لكن الإنسان كائن حي يتكون من جسد وروح ، يملك عقل وإحساس ، فلا يسري عليه ما يسري على الجمادات ، وتركيبه المعقد يجعل من الصعب إحداث التغييرات في كينونته ، حيث لا يمكن مقارنة صفاته بصفات سلعة تصنع لتباع وتشترى ، فصفاته متأصلة فيه ، وكثير منها نقلت له عن طريق جينات وراثية يصعب تبديلها أو إحداث تغيير فيها .. فأمام كل هذا التركيب الصعب ؛ كيف للإنسان أن يجعل من نفسه علامة تجارية .. ويكتسب لنفسه صيتاً يجعله مطلوبا كالسلع ؟ في بادئ الأمر أقول أن صفات الفرد النفسية العاطفية والسلوكية العامة تجتمع لتحدد هويته وترسم ملامح طبيعته ، تؤثر عليه ، فتحدد سلوكه ، وكيفية تجاوبه مع الأوضاع القائمة من حوله ، وردود فعله أمام المواقف التي تواجهه ، هذه السمات بمجملها تكوّن ما يعرف بالشخصية . وقد أجمع علماء النفس والباحثين على كون هذه الصفات مستقرة نسبية ، أي أنها مقاومة للتغير ، إلا أنها في حالات محددة تكون فيها قابلة للتبدل ، تحت تأثير المحفزات اللازمة والضغوط أو الظروف المحيطة ، أو حتى نتائج السلوك المترتبة عليها . كما أنها قابلة للإكتساب ، فقد قال خير البشرية ومعلمهم محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم … ) . ومن هذا المنطلق نجد أن هناك مدخلا يساعدنا على استغلال هذه السمة في شخصياتنا ، وجعلها منفذا نلج منه إلى نسخ محسنة من ذواتنا . فإنه لمن الذكاء أن يرى الفرد ما يمتلكه في نفسه من خصال وصفات ، ويتعامل معها على أنها سلعة ذات أهميه ، تستحق أن يكثف من أجلها جل طاقاته ، ويستثمر بها أقصى جهوده ، فيعمل على تطوير الجيد والمفيد له منها وما قد ينفعه مستقبلا ، وإكتساب الجديد مما لا يملك ويراه ضروريا لنجاحه ، كما عليه أن يحاول جاهدا التخلص مما قد يقف منها عائقا في سبيل الوصول إلى المستوى المطلوب ، وذلك لتوفير أفضل المتطلبات الشخصية لحياته اليومية والإجتماعية عامة ، ولحياته العملية خاصة ؛ والتي يحتاج فيها أقوى سماته خلال عمله ، لتيسيره ورقيه ، والسير به إلى أعلى مناصب النجاح . لكن المهم هنا .. كيف يغير الإنسان شخصيته ؟ ويطور من نفسه ؟ فكما ذكرت ، أن صفات الشخصية قابلة للتغيير تحت حزم الإنسان وعزيمته ، فعليه أن يحدد نقاط ضعفه ، ومساوئ صفاته والتي يريد تقليلها إلى أدنى مستوياتها ، والتدريب على الحد منها ، وتوجيهها بالشكل الصحيح ، وتطويعها لما يخدمه ويفيده . ففي البداية قد يتعرض الإنسان للفشل وتواجهه صعوبات كبيرة في ذلك ، فعليه أن لا يصاب بالإحباط ، لأن تعلمه من خلال المحاولة والفشل هو من أفضل الطرق التي يطور بها الإنسان سماته الشخصية ، فلا يجعل فشله عائقا أو حجر عثرة في طريقه ، بل يستغله كسلم يصعد به إلى قمم النجاح . كما أن تلك الصفات قابلة للإكتساب من خلال التعلم وملاحظة الآخرين ، وحث النفس على ممارستها . فالتعلم من خلال تجارب الآخرين مفيد جدا في إكتساب خصال قد لا تكون لدى الفرد في الأساس ، لأن الملاحظة تساعده على رؤية ما يمتلكوه ، ومعرفة تفاعلاتهم مع الأوضاع ونتائج سلوكياتهم وإستغلال ذلك لما يخدم صالحه فيأخذ منها ما يناسبه ويترك ما لا يريد . قد يرى البعض منكم أن جعل الإنسان من نفسه علامة تجارية واكتساب الصفات التي تخوله ليكون حاملا مستحقا لها صعب جدا ، والوصول إلى المستوى الذي يُطمح له في نظر البعض الآخر شبه مستحيل .. لكن من قال أن طريق النجاح سلس يسهل إجتيازه ؟ الوصول إلى القمم حف بالمخاطر والعقبات ، يتطلب شجاعه وإقدام ، قدرة على مجابهة الصعاب ، عزم وإصرار ، إيمان وثقة بالنفس وقدرة على تحدي المستحيل .
إنشرها

أضف تعليق