Author

العنصرية

|
إبان المفاوضات بين الجانبين، كتبت في تويتر أن الهلال سيتعاقد مع الخال كومبواريه. في اليوم التالي أتاني إيميل من رئيسي في العمل، يقول: ''لقد أخطأت عندما استخدمت مفردة (الخال) في وصفك للمدرب، أنت مارست نوعا من العنصرية، لا تعد إليها لو سمحت لأنها لا تليق بكل من ينتمي لمنشأة مثل العربية''. بعد أيام التقيته لأمر آخر، وحاولت أن أوضح له أن مفردة (الخال) دارجة في المجتمع السعودي، ويقصد منها الدلال لا التقليل من أصحاب البشرة السوداء، لكنه أجاب: هي تمييز للعرق إذاً، وأي تمييز عرقي هو عنصرية. من يومها لم أعد لاستخدام المفردة في أي وصف. .. وتعرف الأمم المتحدة العنصرية بأنها ''أي تفريق أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل بسبب الجنس أو اللون أو المنشأ أو الأصل القومي أو العرقي وكل ما يمنع أو ينتقص الاعتراف بحقوق الإنسان''. فيما يعرفها علماء الاجتماع بـ ''الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز، باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية''. وتحارب المجتمعات المتحضرة، العنصرية وتجرّمها، ويصنف التاريخيون الرئيس السادس عشر في تاريخ أمريكا ابراهام لنكولن، يصنفونه المؤسس الثاني لأمريكا، مستندين إلى عاملين أولهما قراره التاريخي المعروف باسم ''تحرير العبيد'' عام 1856، وهو القرار الذي أصبح القانون الأمريكي بعده يخضع أي مستخدم لمفردة ''زنجي'' للمحاكمة. ولا تختص العنصرية بالتمييز بين البيض والسود فقط، بل تتسع لتشمل أي عزل تمارسه فئة في المجتمع تجاه فئة أخرى، ما دعا الأمم المتحدة إلى إلحاق أي تمييز إثني أو عرقي بالعنصرية. وتدعو تعاليم الدين الإسلامي إلى نبذ أي تمييز اجتماعي، داعية إلى أن التفريق الوحيد سيكون بـ ''التقوى'' فقط، وتتصدر عبارة الخليفة السياسي الراشد عمر بن الخطاب ''متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا''، كتب التاريخ عند الحديث عن أي تمييز بين أبناء السلطة والرعية. وفي العبارة ما فيها من العمق وبعد الرؤية وما يستحق أن تفرد له الصفحات بحثا وطرحا ونقدا. وتفسر نظريات علماء الاجتماع، تفشي التمييز العنصري، والديني، والعرقي في المجتمعات، بقلة العلم وانتشار الجهل، واحتكار الامتيازات في يد فئة دون الأخرى في المجتمع ما يشعرهم بتفوق رباني تكفله الدماء. ويذهب بعضهم إلى أن التمييز قد يمارس أحيانا بجهل، ودون قصد، مع غياب التوعية والقانون. في المجتمع السعودي، الكثير من التقليدية التي ورثها الأبناء عن الآباء، يتم تداولها دون النظر إلى صحتها وخطئها، وفيها من الشر المستطير ما الله به عليم، ومع غياب القانون عنها، أصبح تداولها كالعادة، يستدعيها من يعتقد بتميزه ليوجع بها من يعتقد نقصه. يحكي لي لاعب من ذوي البشرة السوداء سببا من أسباب انتقاله من ناد في الرياض إلى جدة، قلت: له لماذا؟ قال: لا أستطيع أن أعيش في الرياض، المجتمع هناك صعب ومؤذ، ويكمل: تخيل أن شرطيين استوقفاني في مرتين متفرقتين وفي كل مرة سألاني: هذه سيارتك؟ قبل أن يطلبا أوراقي في إشارة إلى فخامة السيارة مقارنة بلون صاحبها كما فهم الرجل. قبل أن نطالب بمعاقبة مراهقين من جمهور الهلال أو أي ناد آخر استخدموا عبارات عنصرية، علينا أن نوعيهم إلى خطر ذلك في تمزيق مجتمعنا، وعلينا أن ننبذ في تصرفاتنا الفردية كل ما يؤدي إلى تمييز إثني أو عرقي أو مذهبي، فالوعي يبدأ من الفرد، ويتكامل ليصبغ المجتمع كله، بصبغة تقربه من المجتمعات المتحضرة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها