Author

الأراضي البيضاء واستحقاق الرسوم

|
تطوير التشريعات وإصلاحها وتحديثها مطلب مهم لمواكبة التغييرات الطارئة في بيئة المجتمع، فالشيء الوحيد الثابت هو أن البيئات الاقتصادية والعمرانية والسكنية وغيرها من البيئات المكونة للمجتمع ستظل في تغير مستمر ودون توقف. وهذا التغيير يجب أن يواكبه ديناميكية تشريعية تتأقلم مع الواقع الجديد لتسهل حياة الناس ولتحقق الهدف الأساسي من أي تشريع، والمتمثل في تحقيق التنظيم الذي من خلاله تستمر الحياة في التقدم، والذي يكفل حماية مصالح الفرد والمجتمع الحقوقية. فالحقوق استحقاقات، وعلى التشريعات التكفل بضمان وحماية هذه الاستحقاقات. والسكن الكريم اللائق، يأتي على رأس الحقوق المستحقة للمواطن، وهذا ما يجعل السكن على رأس اهتمامات وأولويات قيادتنا الحكيمة، وما الأوامر الملكية الصادرة في هذا الخصوص إلا دليل على أن توفير السكن الكريم استحقاق تعمل القيادة على تحقيقه للمواطنين وبالشكل الذي يجعل بيئتنا العمرانية مضربا للأمثال في جمال تناسقها، وروعة بنيانها. ويشكر وزير الإسكان على تأكيده بأن رسوم الأراضي البيضاء غير المطورة قادم لا محالة، وتصريحه يأتي في وقت تشهد فيه بلادنا مشاريع إسكانية فريدة في حجمها، كما يأتي للتأكيد على أن زمن تملك الأراضي والاحتفاظ بها دون تطوير قد ولى، فحاجة المجتمع إلى الأراضي تتغلب على أي مصلحة فردية في تملك الأراضي وسط المدن وتركها دون إعمارها وبنائها لسكنى الناس. فلا يعقل أن تؤسس وزارة الإسكان أحياء وضواحي خارج المدن، بينما مساحه الأراضي البيضاء المملوكة لأفراد داخل المدن الرئيسة ذات الكثافة السكانية الأعلى تقدر بعشرات الملايين من الأمتار المربعة. وحين النظر في تاريخ هذه الأراضي نجد أنها منحت في الأساس لكي تطور وتخطط وتصبح أماكن وأحياء للسكن. وتركها بيضاء دون تخطيط ومن ثم بيع، أضر بشكل كبير في حركة التطور العمراني لمدننا، كما أدت إلى خلل وقصور في قوى العرض العقاري قابله ارتفاع كبير في الطلب على المساكن، وهذا أدى إلى أن تكون قيمة الأرض نحو 60 في المائة من قيمة المسكن، وهذه النسبة من أعلى النسب في العالم كله. وفرض رسوم سنوية على مثل هذه الأراضي يدفع إلى سرعه تطويرها لتحقق الهدف الأساسي الذي من أجلها منحت. وفي رأيي الشخصي، أن الرسوم يجب ألا تقل في أي حال من الأحوال عن تكلفه تخطيط أرض مساوية لها في المساحة خارج المدينة. وهذا سيكون مبلغا كبيرا بلا شك، لكنه عادل في تحقيق هدف الدفع نحو تطوير هذه الأراضي البيضاء. والتحدي الكبير لوزارة الإسكان في معالجة قضية الأراضي البيضاء تكمن في تشريع الرسوم بشكل يستحيل على صاحب الأرض غير المطورة تحميل تكلفتها على المستخدم النهائي. ووزير الإسكان أكد وطمأن الجميع أن الرسوم ستفرض بطريقه ذكية، حيث لا يتحملها المستهلك النهائي، وذلك في أحد لقاءاته التلفزيونية ''قناة روتانا ــــ لقاء الجمعة مع عبد الله المديفر''. إن تملك الأراضي والامتناع عن تطويرها وإعمارها عمل مضاربي لا يحقق قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع، كما يؤدي إلى خلل سعري ينعكس سلبا على الحركة العمرانية للمدن، وبما يسبب أزمات واختناقات سكنية. وجميع دول العالم المتقدم تفرض رسوما مغلظة على ملاك الأراضي غير المطورة تهدف إلى الدفع نحو التطوير والبناء. وإذا كان تملك السلع بهدف تكديسها ومنعها حتى يرتفع سعرها عملا احتكاريا وغير أخلاقي، فالمسألة تتعاظم حين يأتي الأمر إلى تملك الأراضي وبمساحات شاسعة بهدف التأثير على أسعارها بما يخدم مصلحة فرد ويهدم مصلحة مجتمع بأكمله، ويسبب تأخرا في الحركة العمرانية الطبيعية. إن فرض الرسوم على الأراضي البيضاء غير المطورة، وتوفير بنى تحتية لأحياء سكنية لتوزيعها على المواطنين وتقديم القروض الميسرة لبنائها، والعمل على تنظيم سوق الإيجارات في المملكة بما يضمن حقوق المستأجر ومالك العقار، وإكمال الوحدات السكنية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ــــ، كلها مسؤوليات كبرى منوطة بوزارة الإسكان. وحلها وحسمها على رأس أولويات الدولة. والعيون كلها على القائمين على وزارة الإسكان المشهود لهم بالكفاءة والمهنية والإخلاص. ولا شك في أن من حق الجميع كمواطنين، المطالبة بأن تبادر وزارة الإسكان بعقد مؤتمرات دورية لشرح جميع التفاصيل ولتوضيح انسيابية سير العمل. فمشاريع وزاره الإسكان أصبحت حديث المجتمع؛ لأنها مسؤولة عن حق كل أفراد المجتمع في التملك والتنظيم السكني.
إنشرها