Author

إعلامي .. مدير .. سمسار

|
بعد أن أصبحت ساحة الاتصال مفتوحة على مصراعيها، لا يكتب على بوابتها اشتراطات للداخلين والخارجين منها وإليها، تداخلت كثير من المصطلحات الإعلامية العلمية، وأصبح ابن العاشرة يردد المصطلح ذاته، دون أن يعرف معناه الحقيقي، ولا تتعدى معرفته فيه حدود الثقافة المسموعة. هذا التداخل، تسبب فيه تصدُّر غير المؤهلين للمشهد، وانحسار الضوء عن الاختصاصيين الحقيقيين، زهدا من بعضهم، وهزيمة من بعضهم الآخر أمام الأصوات المرتفعة القادمة على شكل جماعات تروّج تعريفات خاصة مستحدثة لا تستند إلى أصل علمي. الساحة الإعلامية ذات الحدود المفتوحة، أمر إيجابي، في شكلها العام، وغياب التأصيل العلمي فيها سلبية قد تخرج أجيال تعتقد بصواب الخطأ وتعتنقه وتدافع عنه، على مبدأ (وَجَدْنَا آبَاءنَا)، ولا ينفع حينها ترديد (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ). في الوسط الرياضي، يخلط كثير من المتابعين بين الذائقة والميول الخاصة، والتعريفات العلمية الإعلامية، ولا يجدون حرجا في توظيف مصطلح ما في المكان الخطأ، ويستشهدون به دون الوقوف على ماهيتها الحقيقية. "المهنية" على سبيل المثال، مصطلح واسع ومتشعب، داسته الأقدام في الوسط الرياضي، ويمكن تأليف كتاب كامل عن تعريفات جديدة له، كلها من إنتاج الرياضيين، ويخلط كثير من الجماهير الرياضية بين الموضوعية والحيادية من جهة والمهنية على الجهة الأخرى، ويستخدمون الأخيرة في نقد أي أطروحة لا تتفق مع الهوى والميول، حتى أصبحت المهنية "فري سايز" يمكن خلعها وإلباسها من نحب، وحتى أكون منصفا؛ فالحدود بين الثلاث متقاربة منفصلة. يعرّف المختصون في الإعلام، المهنية بأنها: قواعد ثابتة تحكم العمل الإعلامي لا تتغير بتغير الظروف الزمانية والمكانية. ويخلط الرياضيون كثيرا في نقاشاتهم بين المهنية الإعلامية والأخلاقية المهنية التي تعتبر مصطلحا أوسع لا يشمل الإعلام وحده، بل تنطوي تحته كل المهن وتتفرع؛ ما يعني أن لكل مهنة أخلاقياتها الخاصة، مهما كانت، حتى المهنة الوضيعة الأقدم في التاريخ. ..في التعريف السابق فصل واضح بين المهنية والموضوعية، التي يمكن تعريفها بأنها: تخلي الباحث عن عواطفه وانفعالاته وميوله التي لا تستند إلى دليل واضح. ويدور جدل كبير منذ ابن خلدون وحتى اللحظة بين علماء الاجتماع حول حقيقتها وتعريفها، ويذهب فريق منهم إلى أن الموضوعية كذبة كبرى وسراب لا يمكن الوصول إليه، وهو رأي يستند أنصاره إلى أن الإنسان وتجاربه جزء لا يمكن فصله عن أحكامه تجاه الموضوع محل النقاش، ولا يمكن له أن يتجرد منه، ويرد المعارضون بأن الموضوعية حقيقة يمكن بلوغها مع التحلي بالأمانة العلمية. والحقيقة أن شواهد متاحة تدعم الرأيين. في الوسط الرياضي، تموج الساحة بكثير من التعريفات الخاطئة التي يغذى بها الصغار، ومن السهل خلع ألقاب دون أمانة علمية، مدير كرة أو سمسار سابق يمكن أن يضيف لقبا إعلاميا على حسابه في تويتر؛ لأن أحدا لن يمنعه، واعتقادا منه أن وجوده على شاشة ما يكفيه للانتماء إلى المهنة. وحري بهؤلاء أن يستخدموا مصطلح "ناقد"؛ لأن الدخول تحت مظلته أسهل وأيسر وأصوب، فالناقد الرياضي هو رجل ملمّ بقواعد اللعبة وقوانينها حتى وإن لم يمارسها، شريطة أن يكون قد قضى أعواما أكسبته تجربة تراكمية، وهذا لا يمنع أنه ربما يكون ناقدا فاشلا أيضا وربما يكون ناجحا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها