Author

قطار الإسكان في محطته الأخيرة

|
يبدو أن الحكومة السعودية لن تستكين حتى تتخلص من القضية الأكثر إشغالاً لها ولمواطنيها في العقد الأخير، وهي توفير المسكن المناسب لهم. قرارات متتالية صبت في هذا التوجه خلال السنوات الخمس الأخيرة. ليس من المبالغة القول إنها توازي ما اُتّخذ خلال الـ 20 عاماً الماضية. ديناميكية اتخاذ القرار أصبحت أكثر تفاعلاً مع استحقاقات المواطنين. كان ممكناً أن تنتظر الدولة خمس سنوات مقبلة، لتتأكد أن وزارة الإسكان غير قادرة على تنفيذ مشروعها الطموح للقضاء على المعضلة الإسكانية، إلا أن ملك البلاد لا يقبل أن ينتظر مزيداً من الوقت دون حلول سريعة وجذرية، لذا كان القرار عبر نقل أراضي المنح إلى وزارة الإسكان، كي تقوم بتسليم المواطنين أراضي سكنية مطورة وقرضا للبناء حسب آلية الاستحقاق. عند انطلاق أول خطة خمسية في البلاد عام 1970، أخذت الحكومة على عاتقها منح المواطنين الأراضي المطورة، وكذلك قروضا ميسرة، عبر صندوق التنمية العقارية، عندما لم تكن هناك قوائم طويلة للانتظار، وهو ما ساعد في بناء 2.2 مليون مسكن، تمثل نصف الوحدات السكنية المنشأة، حسبما قال لـ ''الاقتصادية'' الدكتور طارق فدعق، هذا التوجه نتج عنه توفير الوحدات السكنية لأغلبية المواطنين في عقدي السبعينيات والثمانينيات. ما حدث بعدها أن الحكومة استمرت في منح الأراضي، لكنها لم تكن مطورة ودون أي خدمات، ما منع المواطنين بناء مساكنهم من جهة، وراجت ظاهرة المضاربة على أراضي المنح غير المطورة من جهة أخرى، وبالتالي باع كثيرون أراضيهم تلك بأسعار زهيدة. مع قرار الملك، ستكون عربة أزمة الإسكان قد وُضعت على السكة الصحيحة بانتظار وصولها للمحطة الأخيرة. سنعود إلى الطريقة المثلى والواقعية في توفير الأرض والقرض للمستفيد في آن واحد، وهو بدوره يقوم بهذه المهمة بالشكل والطريقة التي يفضلها. سنكون أيضاً قضينا على أسواق ثانوية نشأت لشراء أراضي المنح غير المطورة، أو لشراء القروض العقارية. لن يُعطى القرض لمستفيد لا يملك أرضاً، كما لن يُمنح أرضاً طالما لم يستحق قرضاً. بقرار تحويل المنح لوزارة الإسكان، زالت حجة الوزارة بعدم توافر الأراضي التي تساعدها على إتمام استراتيجيتها. ففي أول رد فعل للقرار سلمت أمانة القصيم عشرة ملايين متر مربع لوزارة الإسكان، وكذلك فعلت أمانة المنطقة الشرقية بتسليمها 23 مليون متر مربع، وعلى هذا المنوال نتوقع من باقي أمانات المناطق أن تعلن مساحات الأراضي التي تسلمها لـ ''الإسكان''، وربما كان أقصى طموح الوزارة في وقت سابق عُشْر هذه المساحات، فما هي فاعلة الآن؟ الكرة أصبحت في مرمى وزارة الإسكان. ليس مطلوبا منها أكثر من الإعلان بشكل تفصيلي ودوري، عن المساحات التي تتسلمها لأراضي المنح، ومن ثم الكشف عن خططها لتوزيع هذه الأراضي للمواطنين، أعلم أن الوزارة بانتظار آلية الاستحقاق، غير أنه ينبغي لها أن تفعل ما هو في غاية البساطة، تعلن عدد قطع الأراضي التي ستوزع بدءا من العام المقبل وحتى خمس سنوات بحسب كل منطقة. لا يضر الوزارة أن تتصرف بشفافية أكثر وتُطمئن ملايين السعوديين بخطواتها المقبلة، بدلاً من ترك الحبل على الغارب، مما يزيد الضغوط عليها يوماً بعد الآخر.
إنشرها