Author

هل يستطيع المسلمون العيش وحدهم ولأنفسهم؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
في رسالة الأسبوع الماضي تحدثت عن شيئين يؤثران سلبا في مكانة العرب والمسلمين في الغرب والعالم. الشيء الأول عزوته إلى الكيفية التي تكدّس بها بعض الدول العربية الغنية والأغنياء العرب أموالهم في الغرب، والطريقة التي ينفقونها بها أو يستثمرونها هناك، والثاني يخص الفتاوى الدينية وأقوال وتصريحات الدعاة والشيوخ في الشرق الأوسط. الحرب الدائرة في عالم اليوم والصراع القائم بين أفلاكه ومراكز القوى فيه لها مرتكزات كثيرة. يخطئ من يتصور أن السلاح اليوم هو الدعامة الأساسية في الصراع بين الأمم والدول وحتى المجموعات. الخطاب بأشكاله المختلفة لغة وصورة - التي تشكل المادة الرئيسة للإعلام - يستحوذ لدى كثير من الدول على أهمية تصل أو قد تفوق ما لدى السلاح من مكانة. والإعلام لدى إسرائيل مثلا يعد جبهة حربية لا خفوت لشدة سعارها وإن هدأت الجبهات الحربية. والتحدث من خلال الإعلام وإن كان من خلال صحيفة محلية أو قناة تلفزيونية مغمورة له اليوم خبراء يفحصون ويمتحنون المادة الإعلامية قبل بثها. لقد أصبح كل شيء على الهواء - أي بإمكان أي شخص التقاط ما تبثه إذاعة محلية أو حتى صحيفة ذات انتشار محدود في أي بقعة من الأرض. يخطئ المرء إذا تصور أن الإعلام بأشكاله المختلفة غير مراقب - هنا لا أقصد الرقابة بالمفهوم الشائع لدى أغلبية الدول العربية. المراقبة تعني أن هناك من يقف لك بالمرصاد كي يلتقط كلمة أو عبارة لاستغلالها لخدمة أغراضه على اختلاف أنواعها، ومن ثم وضعها في سياقها الخاص وبثها من جديد. وأنا اليوم أتطلع إلى موقع ''ميمري'' - معهد الشرق الأوسط للدراسات الإعلامية، الذي جرى ذكره في مقال الأسبوع الفائت بنسخته الإنجليزية، تقع عيناي على أمور غريبة وعجيبة بعضها لم أكن أتصور أن وجوده ممكن أو التصريح به في العالم العربي والإسلامي سواء كان مواقع إعلامية أو شخصيات دينية أو تصريحات أو فتاوى. أشياء غريبة وعجيبة ينقلها هذا الموقع المؤثر جدا في الغرب عمن يقولون إنهم سلفيون أو جهاديون أو شيوخ أو علماء أو دعاة، منها ما هو فتاوى ومنها ما هو تصريحات أغلبها تسيء ليس إلى سمعة العرب والمسلمين فقط، بل إلى دينهم وقرآنهم الذي - وحسبما أفهمه - لا يجوز أن يقبل بمثل هذه الأمور. هؤلاء من كانوا وبأي صفة كانوا يسيئون كثيرا إلى دينهم وقرآنهم وكذلك شعوبهم ويجعلون العالم يرى الإسلام وأتباعه من منظار سلبي جدا إلى درجة صار البعض يربط - مع الأسف الشديد - الظلامية والتخلف بالعرب والمسلمين، الذين كانت حضارتهم ومدنيتهم منارة للعلم والمعرفة، إن في بغداد أو دمشق أو القاهرة أو الأندلس أو غيرها من الحواضر، بينما كان ما نطلق عليه اليوم عالم الحضارة والمدنية يعيش في الكهوف. وصار هؤلاء من بعض السلفيين أو الشيوخ أو الدعاة يطلق فتاوى أو تصريحات غريبة وعجيبة حول كل شؤون الحياة من المرأة والجنس والجهاد والسياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم والأحداث الكبرى المؤثرة التي تقع في العالم وغيرها من الأمور، مما يقدم مادة دسمة لأطراف مثل ''ميمري'' وغيرها كي تسوقها لزيادة رصيدها ودعم مواقفها التي هي في الأساس معادية للعرب والمسلمين. إنهم أذكياء. إنهم يرون الخطاب جزءا من ساحة المعركة. بعض ما قرأته على صفحات هذا الموقع مثير، منها من جعل من نفسه حجة، حيث يفتي في عملية إرهابية في بوسطن في أمريكا ويعلن المسؤولية عنها ويهدد بمزيد. وقرأت كيف صارت مسألة قبول أو رفض تهنئة المسيحيين في أعيادهم مشكلة فقهية كبيرة في العالم العربي أكثر خطورة من المشاكل الحياتية الأخرى التي يئن تحت ثقلها العرب. هؤلاء يتصورون أن محيطهم ومريديهم هم الدنيا ولا يعرفون أن الدنيا أكبر من ذلك بكثير.
إنشرها